بقلم: د. سعد بن عبدالقادر القويعي:
استطاع قائد تنظيم القاعدة - سابقا - محمد العوفي، إعادة أوراقه؛ لقراءة الأحداث وتطوراتها، وكشف الكثير من الأسرار حول التجربة المريرة التي خاضها، بعد أن انخرط في التنظيم، ودخل في دوامة التحريض التكفيري. إلا أن اللافت في حديثه - قبل أيام - لإحدى الصحف المحلية، هو تأكيده، بأن: «هناك مؤامرات عديدة من قبل الدول والاستخبارات، هدفها إفساد الشباب السعودي، وجعلهم أعداء لهذا البلد». هذا الحديث لم يكن مفاجئاً، فهو الذي كشف عن ارتباط تنظيم القاعدة في اليمن، بجهات استخباراتية أجنبية؛ لتنفيذ عمليات إرهابية. وذلك حين انكشفت عقدة الانخراط في التجربة المؤلمة، واتخاذ القرار الصحيح، من خلال وضوح الهدف والرؤية والإرادة. كان استسلام محمد العوفي خسارة لوجستية، وضربة قوية لتنظيم القاعدة. امتدت إلى اعترافات خطيرة، كشفت من خلالها عن تورط أجهزة استخباراتية إقليمية، - وتحديداً - الاستخبارات الإيرانية في دعم القاعدة - مادياً ومعنوياً -، وتقديم خدمات لوجستية؛ عن طريق إمداد وتموين عناصره، وتنفيذ عمليات انتقامية؛ لضرب أهداف في السعودية واليمن. مما يؤكد أن التورط الإيراني في دعم القاعدة، والتنسيق بين الأطراف الثلاثة، بات واضحاً؛ من أجل تنفيذ مشروع إرهابي يستهدف المنطقة، ويهدد وحدته وأمنه واستقراره. ولأننا، أمام حرب أفكار شرسة، - فالأكيد - أن مثل هذه المراجعات الفكرية، تكمن أهميتها في كونها تأتي من داخل إطار تنظيم القاعدة، ووفق منهجها. وهذا أمر مهم، في تجسيد أهمية وخطر تلك المراجعات على تنظيم القاعدة، ونقد أطروحاتهم بمنهجية علمية، وتخلية أنصارها عنها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، كونها تأتي بمبادرة من أصحابها، وبمحض إرادتهم، فإن ذلك يعتبر نجاحاً للمراجعات الإستراتيجية، والتحولات الفكرية، عن طريق تفكيك القناعات الفكرية المنحرفة، خاصة فيما يتعلق بأحكام وضوابط الجهاد. وإن كانت تلك المراجعات، عملية طويلة ومعقدة، إلا أنها في نهاية المطاف ستحد - بلا شك - من تجنيد عناصر جديدة للقاعدة، ونبذ لغة العنف، وتجفيف منابع الفكر التكفيري؛ لكثرة أخطائه الشرعية والفكرية والإستراتيجية. أعتقد، إذا كان محمد العوفي عازماً على إصدار كتاب، يحكي المراحل التي عاشها في حياته، منذ بداية انضمامه لتنظيم القاعدة، وحتى تراجعه وعودته إلى طريق الحق، وجادة الصواب، والخروج من ظلام القاعدة والمجموعات الإرهابية، كما يقول. فإن من أهم أولوياته، بعد مراجعة تصوراته، ومنطلقاته الأيديولوجية - السابقة -، والممارسات العملية، ووضع أسس فكرية سليمة، هو: الكشف عن المخالفات الشرعية في الصور المستحدثة، كقتل من لا يجوز قتله من المسلمين، وغير المسلمين باسم «الجهاد»، وتخريب الممتلكات، واستحلال أموال المعصومين. وسيظل التحدي النظري لتلك المراجعات، أنها تطور فكري إيجابي، وظاهرة صحية، وجزء أساس من عملية التطوير والتقويم المستمر. وتلك سنة إلهية، يجب أن نرحب بها، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.