على خلاف كل التوقعات التشاؤمية المسبقة جاء افتتاح (خليجي20) في وقته المحدد بتلك الصور الجمالية الرائعة والإعداد الرفيع والحضور الجماهيري المهيب، وفرادته وخصوصيته اليمنية، ليسجل انتصاراً يمنياً جديداً (سياسياً، اجتماعياً، رياضياً، ثقافياً وأمنياً).. انتصارا تنبع أهميته من طبيعة الظروف الاستثنائية المعقدة التي تمت خلالها هذه المسابقة، ومن حقيقة تحدياتها الماثلة على الصعيد الأمني أولاً وعلى صعيد البنية التحتية من تجهيزات فنية ومنشآت رياضية وإيواء فندقي وإعاشة وتنقل وتجهيزات تنظيمية مختلفة، وما سبق هذه الدورة من ارهاصات سلبية وزوابع سياسية وأمنية وشائعات وتهديدات حتم على اليمن تجاوزها للوصول ب(خليجي20) إلى مرافئ الأمان والنجاحات المرجوة، تجهيزاً وتنظيماً وإعداداً وإيواء ومناخات مناسبة تحتاجها بطولة جماهيرية بهذا الحجم وتستضيفها اليمن لأول مرة في تاريخها.
النجاح اليمني الذي تحقق في استضافة (خليجي20) لا يمكن قراءته وفهمه بشكل صحيح خارج إطار مساقاته العملية ومحفزاته الوطنية ودوافعه وعوامله السياسية والثقافية والرياضية والاجتماعية والتاريخية المتجاوزة بفعلها إطارها المكاني والزماني، ومثّل في بعده الأول انتصاراً وطنياً وإقليمياً حاسماً على قوى الإرهاب والظلام والتخلف، ورداً قاسياً ومؤلماً على مروّجي الإشاعات وصناع الأكاذيب وأصحاب الرهانات البلهاء والخاسرة.
وفي بعده الآخر مثّل نجاح اليمن في استضافة هذه الدورة تجسيداً واقعياً حياً وصادقاً لقيم الولاء ومشاعر الاعتزاز والوفاء الوطني وتجذرها في الوعي والسلوك الفردي والجمعي للشعب اليمني بمختلف مكوناته وشرائحه الاجتماعية وانتماءاته السياسية والحزبية المختلفة، التي التفت حول قيادتها السياسية متسلحة بإرادة وطنية وحدوية صلبة وعزيمة لاتلين، مبرهنة عن أصالة هذا الشعب وروحه الوطنية، المتوثبة التي تجلت في أنصع صورها المعاصرة في الانتصار لنفسه ووطنه وتاريخه، وإثبات قدرته وأهليته على استضافة هذه البطولة بشكل مشرف، متجاوزاً بفعله وجهده تحدياتها الكبيرة في الطليعة منها:
تحديات بنيوية مادية:
وحين قررت اليمن قبل عامين استضافة (خليجي20) وجد كافة الفنيين والرياضيين ومسؤولي الاتحادات الرياضية الخليجية في موافقة الدول الخليجية على استضافة اليمن لخليجي 20 قراراً سياسياً خاطئاً غير مدروس وغير قابل للتنفيذ والنجاح معللين ذلك بجملة من الأسباب برزت في طليعتها بشكل مبكر الأسباب الفنية وتخلف البنية التحتية الرياضية بكل منشآتها وتجهيزاتها اللازمة لنجاح اليمن في استضافة (خليجي20)، وكذلك تخلف وانعدام المنشآت الخدمية والفندقية اللازمة لاستضافة الفرق والمشاركين من خارج اليمن.
أصحاب هذه الآراء والمواقف ممن عاصروا وعايشوا التطورات التنموية المتسارعة وأثرها الايجابي على التطور الكمي والنوعي للرياضة في بلدانهم كانوا محقين في طروحاتهم المبكرة وشكوكهم في عدم قدرة اليمن على الاضطلاع بهذه المهمة، وهذه الاستنتاجات والقناعات لم تأت من فراغ بل كانت مبنية على حقائق موضوعية أصحابها يدركون طبيعة ونوعية وحجم المتطلبات والإمكانات والتجهيزات اللازمة للاستضافة الناجحة فهم الذين عاصروا مراحل بناء وتطور الرياضة الخليجية منذ بدايتها وحتى اليوم وما استنزفته من إمكانات مادية ومالية ضخمة تفوق قدرة اليمن على توفيرها، كما أنهم كانوا على اطلاع بتفاصيل الدورات الخليجية السابقة وما صاحبها من تطورات وإنجازات تراكمية هائلة على مدى أربعين عاماً، وصلت في تطورها الأفقي والرأسي وبنيتها المادية التحتية مستويات عالمية بدت أمامها القاعدة الأساسية والبنية التحتية والتجهيزات الفنية الرياضية لليمن متخلفة للغاية وغير مهيأة لاستضافة بطولة بمثل هذا الحجم.
أكثر الناس تعاطفاً ودعماً لليمن في استضافة البطولة من المختصين بالجوانب الرياضية كانوا مشككين إلى حد كبير في تصريحات القيادات الرياضية اليمنية وإصرارها على توفير كل متطلبات البطولة واستيفاء كل شروط نجاحها وفق المعايير الدولية والخليجية اللازمة.. هذا التشكيك نابع من حقيقة إدراكهم أن موارد اليمن وإمكاناته المادية والمالية وخبراته العملية لا تكفي لانجاز بنية رياضية تحتية وخدمية وفنية وفندقية متطورة وكافية لإنجاح هذه البطولة خلال وقت قصير جداً.
كل هؤلاء كانوا محقين فيما ذهبوا إليه من آراء وتحليلات ومواقف تقوم على أساس من الحسابات المادية والمالية المحضة التي يعرفون أرقامها المطلوبة لاستضافة هذه البطولة بدقة كبيرة، ويعرفون أيضاً أن اليمن من أفقر البلدان على مستوى المنطقة والعالم، الأمر الذي جعلهم على قناعة تامة بأن الدولة والحكومة اليمنية أعجز من أن توفرا هذا الكم الهائل من المبالغ الضخمة في مثل هذه الظروف التي يمر بها اليمن. . هؤلاء اسقطوا من حساباتهم مصادر ومنابع أخرى غير مادية وغير مالية قامت عليها رهانات القيادة السياسية اليمنية في استضافة هذه الدورة وإنجاحها؛ هذه المصادر والمنابع تتمثل في الغناء الروحي والإرث الحضاري، وقوة الانتماء والولاء الوطني للشعب، وما يمتلكه من مخزون إبداعي وطاقات خلاقة يمكن لها أن تتحول إلى قوة فعل جبارة لإنجاح البطولة..
- نقلا عن صحيفة الرياض السعودية