المتأمل في واقع الطب والأطباء في اليمن يدرك حجم التبلد وعدم الفهم المدقع الذي يعاني منه الأطباء في وطننا المنكوب في كل المجالات.
إحدى صديقاتي تعاني من تقيؤ حاد لكل ما تتناوله من الأطعمة والمشروبات، استمر بها الحال شهراً كاملاً تتغذى على إبر المغذيات وتتردد على عيادة الطبيب الذي عجز عن تشخيص سبب التقيؤ، وكل يوم يتوقع أن سببه شيء ويقوم بوصف العلاج ولا تحسن في صحتها وهكذا تعود له فيتوقع سبباً آخر ويقوم بوصف العلاج له وتتناول هي الأدوية الموصوفة من الطبيب ولا تحسن فتعود له ليقول بكل بجاحة احترت فيك لم أجد حالة كحالتك!!!!.
هذه حالة بسيطة لمرض بسيط عجز طبيبنا المخضرم من كشف سببه فكيف بالحالات المستعصية، وعندما رثيت لحال مريضتنا المنهكة والمتعبة من ملازمة التقيؤ لها لأكثر من شهرين وتدمل يديها من كثر غرس الحقن المغذيات البديلة عن الطعام والشراب، تحدثت مع صديقة لي عبر الفيس بوك هي طالبة في كلية الطب مستوى خامس عراقية الجنسية وشكوت لها حال هذه المريضة فسارعت لسؤالي عشرات الأسئلة قبل إعطائي الإجابة عن الأسباب التي بالإمكان أن تحدث التقيؤ حتى يتسنى علاجها.
الغريب أنها لازالت طالبة أدهشني تعمقها في الحالة وكثرة الأسئلة وعدم إعطائي أي سبب إلا بعد معرفة الكثير من الإجابات حول طبيعة ما تعاني، حينها فقط أدركت أن وطننا المنكوب لن ينهض أبداً.. هذه الطالبة بهذا الجد والذكاء واستشعار المسؤولية وهي لازالت طالبة فكيف بها عندما تصبح طبيبة لقد تفوقت على طبيب متخصص في الباطنية له سنوات عديدة، ربما لأن يسرى العبادي عراقية وهناك رغم كل ما تعاني منه العراق إلا أن العلم في كل التخصصات لا يزال علماً محترماً، وليس كما في بلادنا خلعت كثير من التخصصات رداء المهنية وأخلاق المهنة والإنسانية لتتاجر بأرواح المرضى.
فالأطباء في اليمن أطباء تشليح وملائكة موت فلا يكُتشف المرض وهو في بدايته بل يترك حتى يستشري ويعلن عن نفسه بنفسه وحينها يكون قد فات الأوان. الغريب أن اغلب متفوقي العالم في الدراسات هم من طلاب اليمن، والأكثر غرابة أن الطب والذي لابد أن يكون طلابه بحسب الجينات اليمنية التي تفاجئ الكل نوابغ وأطباء متمكنين، فلا أدري ما السبب في هذا القحط الطبي والفاقة العارمة في كفاءة وتمكن الأطباء في اليمن، هل لأن الموفدين للخارج للدراسة على حساب الحكومة أغلبهم من الفاشلين أولاد المتنفذين وأصحاب الوساطة والمحسوبيات، أم لأن الأطباء وإن كانوا من الطلاب المتفوقين في الدراسة بعد تخرجهم يظلون قابعين على تلك المعلومات التي تعلموها أثناء دراستهم ولا يثقفون أنفسهم ويتابعون المؤتمرات الطبية والأبحاث ومدى تطور الطب الذي يتطور ما بين اللحظة والأخرى في العالم، بينما لا يزال أطبائنا بدائيين؟.
أتذكر مريضاً منذ سنوات اعرفه حق المعرفة كان يعاني من مرض ما كالعادة لم يستطع أطباء التشليح وملائكة الموت لدينا تشخيصه وبعدها ذهب إلى المملكة وتم تشخيص مرضه ثم عاد لليمن وبه ورم في أمعائه. الأطباء في المملكة قالوا له لا فائدة فقد انتشر المرض وهو كان منذ شهور متردداً على الأطباء في تعز دون جدوى وكل يوم يطلعون له بمرض ويصفون له الدواء حتى انتشر الورم وتمكن منه.. أهله لم يطيقوا رؤيته متألماً فأخذوه إلى أحد المستشفيات التخصصية الخاصة بالعاصمة صنعاء وما إن وصل للتو قرروا له عملية استئصال الورم بكل ثقة واستأصلوه لم يعش بعدها إلا لأسبوعين ثم رحل، فالمهم لدى الأطباء والمستشفيات عندنا هو استثمار أمراض وأوجاع ومعاناة المرضى دون الالتفات لأي جانب مهني وحتى إنساني، فالأهم تحقيق الربح والعائد المادي.
لهذا كله لابد من إعادة النظر في مناهج الدراسة وفي المبتعثين للخارج وإلى أي جامعات يتم ابتعاثهم وهل هم من المتفوقين والمؤهلين ، ولابد أيضاً من متابعة التطورات في الطب وأين وصل العالم.
يا أطباء المهدئات اتقوا الله فأرواحنا أمانة في أعناقكم فلا تقدمونا للموت قرابين لجهلكم وغبائكم وانعدام مهنيتكم وإنسانيتكم.