كل شيء في هذا البلد يستدعي المزيد من التساؤلات. الصمت، الكلام، الحركة، الجمود، الحديث عن الماضي والحديث عن الحاضر. وتجاهل المستقبل، كلها تثير التساؤل وتستدعي وقفات طويلة للاستنطاق والتحليل.
وأحدث ما يبعث على التساؤل في اللحظة الراهنة تلك الدعوات المتعددة إلى مؤتمرات شبابية الصادرة من أكثر من جهة وما تحمله في طيّاتها من دلالات انقسامية في صفوف هذه الشريحة الوطنية الثورية التي صنعت التغيير وأسهمت في انطلاق الربيع الثوري بفضل تضامنها وتسامحها وانصهارها في الموقف الواحد، وكيف كانت هذه الفصائل الشبابية تحمي ميادين الاعتصام بوحدتها وتناسق لغتها والانتصار على كل من يسعى إلى خلخلة ذلك الإجماع الرائع والعظيم من التعاون والانسجام.
ومن المهم الإشارة إلى أن كلمة الثورة كانت هي المغناطيس الذي شد بعضهم إلى بعض.
وليس ثمة من شك في أن أخطر الخلافات وأشدها ضرراً وأعمقها سلبية على الوطن في الحاضر والمستقبل هي تلك التي تحدث في أوساط الشباب.
لأنهم جميعاً، ودون استثناء الصورة التي يبدو عليها المستقبل بكل ما يضيء جوانبه من أحلام، التوافق والانسجام والرخاء الموعود. ومن حق العقلاء أن يقولوا بوضوح تام: ليختلف الشيوخ كما شاءوا وعلى ما يشاءون فهم مع كل التقدير والاحترام، صورة الماضي بكل ضغائنه وخلافاته وتجاربه المريرة. وعليهم أن يتركوا الأجيال الجديدة تختار طريقها الموحّد الخالي من الضغائن والأحقاد؛ وأن يتركوا لهم الفرصة لخوض تجربتهم والإنصات لأصوات ضمائرهم واكتشاف معالم الزمن الجديد الذي ينتظره الوطن على أيديهم. ولا ننسى أن سنن الحياة وقوانين التغيير تؤكد أنه من الصعب أن تكون الأجيال الجديدة نسخاً مكررة من الأجيال القديمة إلاَّ في المجتمعات البدائية الميتة التي تشبه القبور.
ولا أحد ينكر أن الخلافات -التي هي في أغلبها تافهة وقائمة على منافسات ساذجة وصغيرة- قد تسببت في إلحاق أخطر الأضرار بهذا البلد، كما أعاقت مسيرة الحياة وتصاعد وتائر التغيير.
وكان الواقع المزري للوطن يفرض على الجميع شيوخاً وشباباً رجالاً ونساءً إدراك خطورة الخلافات في واقع شديد التخلف، وإدراك أهمية الانتقال التدريجي نحو الحياة الجديدة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، وأن يتنفس الشعب بعد ثورته العظيمة (سبتمبر - أكتوبر) الصعداء ويقطع نهائياً صلته بمراحل الخوف والدم والألم. ولم تكن هناك قوى مؤهلة لتحقق ذلك مثل الشباب بطموحه وتفوقه اقتدار على صنع التجاوز والعبور بالبلاد من حالات تخلّفها المرعب، لا لأنهم الأصفى عقولاً والأنقى في المواقف فحسب وإنما لأنهم الأقدر على احتضان الجديد والتحرر من الخصومات السلبية والانقسامات التي أربكت الوطن وبددت الكثير من طاقاته وإمكاناته.
وعلى الذين يقولون أن بلادنا -في هذا الواقع العربي المظلم- أحسن حالاً من بعض الأقطار المتناحرة، عليهم أن يحافظوا على هذا الحال، وأن يساعدوا الشباب على تجنب الانشقاقات وأن يثقوا بقدرتهم في المحافظة على حالة الاستقرار النسبي والانتقال بالبلاد إلى حالة الاستقرار الدائم، ووضع حد عاجل ونهائي للاختلالات الأمنية التي كانت وما تزال مصدر قلق كل مواطن، وسبباً في نزوح الاقتصاد الوطني ومخاوف الاستثمار العربي والأجنبي، وفي الخوف الذي مابرح يرهق أذهان المواطنين وأعصابهم.
الرواية الأولى للكاتب والشاعر وليد دماج:
عن دار الآداب في بيروت صدرت الرواية الأولى للمبدع وليد دماج وهي بعنوان (ظلال الجفر) ولا أبالغ إذا ما قلت إنها واحدة من أهم الأعمال الروائية التي ظهرت في بلادنا في الآونة الأخيرة. ولا يأتي تميزها من خلال موضوعها المدهش والمثير فحسب وإنما من لغتها وأسلوب سردها وحبكتها الروائية الرائعة. وإذا كانت قد فازت -قبل الطبع- بجائزة مجلة دبي الثقافية، فإنني أتوقع لها أن تفوز بجوائز أكثر فضلاً عن أنها ستكون موضع اهتمام على مستوى الوطن العربي. والقراء وأنا في انتظار روايته الجديدة المعّدة للطبع.
تأملات شعرية:
غابت شمسُ الأمس
وراء تلالِ الماضي.
غَطَستْ في بحرٍ من أحلامٍ
لم تتحققْ.
وأطلت شمس اليوم
على بلدٍ يشتاق إلى النور،
يحركّهُ أملٌ أوسع من كل الصحراء
ومن كل الخضراء
فهل آن له يا قومي
أن يتحقق؟