هذه حرب عبثية وهستيرية ومدمرة. هي حرب عبثية، لأنه لا مشروعية لها ولا هدف.. لا مشروعية وطنية ولا هدف إنساني، ولأن المنتصر فيها مهزوم والفائز راجح الخسران.
وهي حرب هستيرية، لأنها تسرف في القتل وتروي بالدم والدمع ضغائن وأحقاد على صعيد البلاد كلها وداخل البيت الواحد والأسرة الواحدة.
وهي كذلك حرب مدمرة بما تخلفه من خراب وموت وبما تؤسس لحروب قبلية طويلة وصراعات مذهبية ممتدة وما تحفر من جراحات في الجسد الوطني عميقة ونازفة.
أعرف أن هناك من يشعر بالغبطة لمجريات الحرب في أسابيعها القليلة، لأنه يريد لشوكة أسرة عبدالله الاحمر تنكسر ويتمنى تأديب الإصلاح وإذلال علي محسن، ولقد قابلت كثيرين افصحوا عن هذا الشعور رغم أنهم في أغلبهم لا يرجون لأنصار الحوثي نصراً حاسماً، حيث لا يجهلون روح التعالي على الناس بادعاء حق إرث الدين والحكم.
في ظن هؤلاء أن انتصار الحوثي في هذه الحدود وحدها أو أكثر منها قليلاً من الأمور المطلوبة لما يعتقدون أن أبناء الأحمر أثروا ثراءً فاحشاً على حساب الشعب، سواء باستغلال موارده في الداخل أو بحصد جوائز من الخارج لقاء ما يقدمون من أعمال في التأثير على السياسة الداخلية لما يرضي هذا الخارج ويحفظ مصالحه. وربما فزعت عقول البعض منهم ما تحدثت به وسائل الإعلام أمس حول المنقول من مزرعة ملحقة بأحد القصور الريفية للشيخ الشاب حسين الأحمر وفيها غير الخيول والعتاد والأشياء الثمينة الأخرى “140 سيارة” وأحسب بل لعلِّي أعتقد أن الشماتة والتشفي من الأمور المزرية، وأن وبال الحرب كارثة على اليمن بأسره.
وبأي حساب فإنه لا معنى لهذه الحرب ولا مبرر ولا مشروعية كما ذكرت. وربما أن الدافع وراءها الانتقام من حروب سابقة كان على واجهتها عسكرياً علي محسن وقبلياً حسين الأحمر، بينما سيدها علي عبدالله صالح، باعتباره رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يمتلك قرار الحرب وقرار السلم.
خلال تلك الحروب الست كتبت متحيزاً للدولة ضد جماعة تمارس المعارضة بالقوة المسلحة لكنني انتقدت بمنتهى الصراحة توظيف القبيلة في الحرب من قلق حقيقي بأن هذا سيورث أحقاداً تحرض على حروب مقبلة. ولقد قلت حينها ما مفاده بأن القتال بواجب الجندية بغض النظر عن القبيلة التي ينتمي إليها المقاتل لا تخلق الحساسية نفسها التي تخلقها المشاركة بجيش قبلي صرف. ولقد أدهشني أن رموزاً قبلية معروفة خرجت تتحدث بعد حرب منتصرة على الحوثي بأن حاشد هزمته.
أظن الآن أن بعض الرواسب حرضت على هذه الدورة العاصفة من القتال، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه بالنسبة لصنّاع القرار في قيادة تنظيم الحوثي استخدم في إثارة حمية مقاتليه والمناصرين له، وليس من شك أن جيوش القبائل التي سيقت في تلك الحروب الست أسهمت في تمكين الحوثي من التوسع بين رجال القبائل التي تعرضت لها.
بالنسبة لقادة الحكم في ذلك الوقت، لقد كانوا يقصدون ما فعلوا تماماً إذ يأتي في السياق المعروف لسياسة مستقرة عندهم قامت على مبدأ إثارة الفتن في صفوف الشعب لضمان استمرارهم في الحكم، وأكل الطعم زعماء حاشد غير أنهم لم ينتظروا طويلاً التحية مردودةً إليهم.
والغريب أن من أوقعهم في الغواية لا يبدو بعيداً عن الحرب الحالية فهو من جانبه يرد تحية غير طيبة تلقاها بعد 11 فبراير، ولقد شعر أنهم فعلوا به مثل ذلك الذي يلقي الطفل مع الغسيل القذر الذي استحم به.
على أن غواية حاشد لم تحرك نزعة الثأر منهم وحدهم وإنما فيما تدفعه القبيلة الآن وما ستدفعه القبائل المتحاربة كلها في المستقبل، ذلك أن بقية الحمية القبلية غالبة على عقول أهلها، وللأسف أنها هكذا وإن كان منطق العقل يقول باستحالة اجتثاث الناس من أرضهم وأنهم جميعاً محكوم عليهم الجوار في المكان والشراكة في الوطن.
في هذا بالضرورة ما يدعو للتوقف عن القتال وكبح شأفة الانتقام في النفوس وإن كان بين المتابعين يعتقد أن هدف الحوثي يتعدى الانتقام بعد أن شعر أنه قريب من صنعاء وأن ثمة ما يغريه بها.
أغلب الظن عندي أن هذا التصور بلا أساس، لأن الحوثيين يدركون أنه تفكير قاتل، ولعل مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني كفت للتحقق من تعقيدات المشهد اليمني ومن تعدد أطيافه، دون أي حاجة لمقارنة انتشار ميليشيات مدربة على قبائل لا تعرف الفنون القتالية الحديثة لما تملكه الجيوش من عتاد وبأس، ولقد يفشل جيش كبير في ابتلاع جماعة مسلحة صغيرة من بؤرة في المكان لكنه لا يمكن ان يتقهقر أمام هذه القلة خصوصاً وأنها تعبر عن تيار محدود في خضم شعبي هائل ذلك أغلب الظن.
وأكبر اليقين أن الأحمر والإصلاح ومن معهم يحاولون إقناع الرئيس بالزج بالجيش في الحرب معهم وربما استخدموا القاعدة لتشديد الضغوط عليه، لكنه بالتأكيد يدرك أنها حماقة رمي جيش الشعب في حرب ينتصر بها لشيخ أو حزب. وإذا ما توجب استخدام الجيش فإنما يكون لقمع المتقاتلين على الناحيتين وإكراههم على العيش المشترك في وطن آمن ومستقر، ذلك إن فشلت السياسة في إقناعهم على إلقاء السلاح.. تماماً ونهائياً.