جاء تقرير الأمم المتحدة الأخير ليدقّ ناقوس الخطر، فقد أشار إلى أن المعضلات التي تواجه اليمن والتي يُفترض من كل القوى السياسية مواجهتها هي الغذاء والماء والكهرباء، وهذه الأمور تحتاج إلى سياسات لمواجهتها متوسطة وبعيدة، ولكي يتم ذلك لابد من تكوين جبهة وطنية تضمُّ قيادات شابة من مختلف الأحزاب السياسية وأصحاب الرؤى الوطنية لتقوم بعملية إنقاذ لما يمكن إنقاذه.
إذا أردنا حلاً لأزماتنا، فعلينا أن نعرف سبب الخلافات بين القيادات السياسية وكذلك القبلية ومعها الجماعات الدينية، يحتاج الرئيس في الوقت الراهن إلى جمع القيادات الحزبية وإلزامها بالمصالحة، ثم بعد ذلك تشكيل جماعة من المستشارين القادرين على اتخاذ القرارات الصعبة.
فالأزمة اليمنية لا يمكن إدارتها عن طريق المراضاة ولا عن طريق أناس يحتاجون أولاً إلى مغادرة مربع الكراهية وتجاوز الأحقاد الشخصية للخروج من الأزمة فعلاً، نحتاج إلى مستشارين يفكّرون على المستوى الأممي والإنساني وليس أشخاصاً يتقوقعون على جماعاتهم ويرتّدّون من العروبة والأممية إلى القروية والأهل والعشيرة.
إن الوقت من ذهب، ولا يمكن البقاء داخل الأزمة حيث القتل والإرهاب وقطع الطرقات وتمدُّد تنظيم «القاعدة» المطلوب من رئيس الجمهورية أن يختار مجموعتين لإدارة الأزمة:
الأولى تتعلّق بإدارة رئاسة الجمهورية ذاتها، فالرئيس يمتلك صلاحيات واسعة لم تتوافر لرئيس من قبله، فهو يحظى بإجماع محلي وإقليمي ودولي، لكن طاقمه بالغ الضعف، لابد للرئيس أن يكون لديه خلايا متخصّصة في أمور الدولة وحدود الأمن القومي، وما هو الممكن وغير الممكن، وترتيب الأولويات ويكون الرئيس مراقباً لمعدّلات التنفيذ.
أما المجموعة الثانية فتتمثّل في الحكومة باعتبارها منوطاً بها القيام بأداء السلطة التنفيذية في الدولة، وهذا يتطلّب إيجاد حكومة كفاءات تكون قادرة وتمتلك من المواهب والقدرات ما يكفي لإصلاح البلد.
نحتاج إلى حكومة مصغّرة كما هو الحال في الدول المتقدّمة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك 16 ترليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي فيها 11 وزيراً، فالبلد لا يحتاج إلى عدد كبير من الوزراء الذين لا يجيدون سوى الكلام؛ بل نحتاج إلى مجموعة متخصّصة وذات آفاق سياسية, حكومة صغيرة في حجمها ولكنها عالية في قراراتها, ليس القتالية وإنما الفنية في التعامل مع السياسة والاقتصاد والمجتمع في اللحظات الحرجة، نحتاج إلى حكومة تخرجنا من هذا المأزق الكبير الذي انتهينا إليه من قتل ودمار وتوسُّع لتنظيم «القاعدة» وغياب الخدمات الأساسية.
خلاصة القول: إن ما يحتاجه الرئيس هو فريق الرئاسة وفريق الحكومة؛ إذا ما توافر ذلك فإنه سيجفّف الرئيس عهد الثورات والفوضى، وسيجعله يتفرّغ لما هو أهم وهو ذهاب الطلاب إلى جامعاتهم ومدارسهم، والأطباء إلى مستشفياتهم، ولا يمكن السماح لكل طائفة تطلب مطلباً بينما البلاد على حافة الانهيار والإفلاس..!!.
نحن اليوم أمام جماعة تحتكر الحدث باسم الدين، وتريد أن تسيطر وتهيمن على عقول الناس وقلوبهم وأجسادهم ووجدانهم بنظام محكم للسمع والطاعة، وهاهي تثبت أن حكمها اليوم أشد قسوة مما كان وأكثر عنفاً مما حدث, وتعتبر ذلك قضاء وقدراً.
ولا نبالغ إذا قلنا إن هناك جماعة مركّبة من مشايخ القبائل ورجال الدين لا تمتلك ثقافة المعرفة بالعالم وما يجري فيه, فهي عبارة عن جماعة غنية بالمال, لكنها فقيرة الفكر والمعرفة, ومن يمتلك منهم علماً فالأيديولوجيا تكفي لتحجيم عقله, ولا تبقى فيه إلا انتهازية فجّة.
لقد ذهب هذا التحالف القبلي - الديني إلى رفع شعار «استرداد حق الشهداء» لكنه زاد أعداد الشهداء بطريقة مستمرة, ورفع شعار سيادة إرادة الشعب؛ لكنه عمل على تفتيته بشكل مستمر.
إن الذين يرفعون شعار اليمن الجديد هم الذين يعبدون صناعة الماضي ويرفضون الذهاب نحو المستقبل؛ علينا إذن أن نحدّد المستقبل الذي نسعى إليه.
على الحكومة القادمة أن تحتضن الفقراء الذين يعملون ويجتهدون ويحاولون العيش الحلال, ولكنهم مطاردون؛ لأنهم يحصلون على دخلهم بالعمل والعرق, وليس بالحركات الاحتجاجية أو مد أيديهم إلى تسوّل الخارج ليتحوّلوا إلى عملاء مأجورين.
أخيراً أقول للذين يزايدون باسم الثورة: إن الثورة لا تكون ثورة إلا حينما تكون مؤشّراً على طريق آخر, ورؤية أخرى، وتغيير جذري في حياة الناس، وألا يتزعمها اللصوص وقُطّاع الطُّرق وتجّار السلاح والآخذون المال من الخارج.