بعد سنوات من الأزمة التي ضربت اليمن أصبح المجتمع اليمني يعيش أحلام اليقظة؛ فيبدو كل شيء أمامه وكأنه حقيقي بينما هو مزيف؛ يسمع كل يوم عن الدولة المدنية الحديثة، بينما القتل يمتد من صعدة إلى الجوف وعمران وصنعاء، ومن الضالع إلى أبين وعدن وشبوة وحضرموت ولحج، يسمع عن الحراك السلمي، ويسمع عن حصار المعسكرات ومهاجمة نقاط الأمن هنا وهناك، يسمع التلفزيون يتحدّث عن اليمن الجديد وعن الوحدة؛ لكن اللغة هي مجموعة أكاذيب مغلفة بالحديث عن مزايا الأقلمة والفدرلة.
أصبح الشعب اليمني أمام لغة تعلّمه ألا يصدقها لأنها تعني بالضبط عكس ما تقول، إذا تحدّثت عن الوحدة فهي تعني التجزئة، وإذا قال لك مسؤول: «بحسب النظام والقانون» فعليك أن تدرك أنه لا يريد النظام ولا القانون؛ وإنما عليك أن تسلك طرقاً ملتوية، وإذا قيل هناك تعديل وزاري فعليك أن تدرك أن هذه الحكومة باقية حتى يُصاب هذا الشعب بكل الأمراض المزمنة والمستعصية، وإذا أكد لك أحد السجون أن سجيناً انتحر فتأكد أنه مات من التعذيب، وإذا قالت مجموعة إنها إصلاحية فاعلم أنها أدوات تخريب وتدمير، وإذا قالت أخرى إنها أنصار الله، فاعلم أنها لا تنصر إلا نفسها، وإذا رأيت جماعة تحرص على أداء شعائر الدين فاعلم أنها أكثر ممارسة للفساد والرشوة والحقد والكراهية..!!.
كل ما سبق يرتبط بالنظام؛ أي نظام سياسي في العالم هو الذي يشكّل الركيزة الأساسية للمجتمع، وهو الذي يخرج المواطن الصالح أو المواطن السيئ، إذا كان القضاء عادلاً ورشيداً فإنه يخلق لدى المواطنين إحساساً بالمواطنة، ويحفّز على العمل ولا يضطرهم إلى النفاق، لأنهم يدركون أن الكفاءة شرط للترقية والعدل شرط للحق.
أما إذا كان القضاء ظالماً فإن المواطن يتملّكه الإحباط، ويفقد إيمانه بالعدل وينتشر النفاق، والانتهازية في ظل النفاق والكذب تبدو العلاقة بين الشعب والمسؤول ـ أي مسؤول ـ كأنها علاقة حقيقية لكنها في حقيقة الأمر هي علاقة مزيفة.
ولست بحاجة إلى القول إن الاستبداد عبر تاريخه يدمّر طاقة المجتمع ويصيبه بالشلل وتتوارى القيم الإيجابية مثل الشجاعة والصدق والأمانة وينتشر الجبن والكذب والانتهازية.
إن أي مجتمع يعيش هذا الوضع ينتهي إلى الحضيض ويموت الشعور بالانتماء إلى الوطن، هذه القيم التي غرستها القوى السياسية والدينية خلال مرحلة الأزمة هي المسؤولة عن تدهور أحوال الشعب، وكذلك مسؤولة عن الانفلات الأمني.
إن من يقاتلون اليوم ويقتلون بعضهم بعضاً أصبحوا منفصلين عن الواقع، عاجزين عن رؤية الحقيقة، يعيشون في عالم افتراضي، ويعتبر كل طرف نفسه أنه المدافع عن الدين أو عن الوطن الذي لا يتجاوز حدود مصلحته، ويرتكبون أبشع الجرائم وهم يظنون أنهم ينتصرون لعلي أو معاوية.
إذا فرح اليمنيون فاعلم أنه سيلحق بهم حزن طويل، لقد فرحوا بانتهاء مؤتمر الحوار وأطلقوا البالونات في سماء العاصمة صنعاء، وهنّأهم العالم على هذه التجربة الفريدة في المنطقة وفي العالم كما كان يقول المبعوث الأممي جمال بن عمر؛ لكنهم وجدوا أن الذي هنّأهم هو الذي صادر سيادتهم، كل ذلك يجري والإعلام المرئي مشغول بصناعة السادة وتوسيع رقعة العبيد في القرن الحادي والعشرين.
ولست أدري لماذا لا يتحرّك النائب العام ضد المأجورين في القنوات الإعلامية الذين ينتهكون أعراض الوطنيين الشرفاء، لمصلحة من تظل قنوات الإعلام تستخدم خطاب التحريض والكراهية وتسويق الأكاذيب..؟!.
في هذا البلد تظل الصورة مقدّسة أكثر من صاحبها، ولن يجرؤ أحد على إسقاطها، وأمام ذلك نتحدّث عن الديمقراطية والدولة المدنية، ألم أقل إن كل شيء في هذا البلد زائف وغير حقيقي، زعموا أن هذا الشعب كسر حاجز الخوف وخرج إلى الشوارع لاستعادة حريته وكرامته، لكن الحقيقة هي أن هذا الشعب لم يعد إلى الشارع إلا بمزيد من العبودية والذل وأصبح يخاف من كل شيء.
لقد حلم الشعب بالتغيير، لكن ذلك كان من قبيل الترف والتفاؤل غير المبرّر، لقد جاءت حكومة الوفاق وانتهى مؤتمر الحوار، لكن شيئاً لم يتغيّر نحو الأفضل، هناك اتكاء على الخارج من قبل القوى السياسية وإهمال للداخل ولما هو وطني.
إننا أمام قوى سياسية تلعب بالنار وهي لا تدرك أن الخسارة ستشمل الجميع، خاصة أن البند السابع قد فتح الباب أمام هذه القوى لإدارة صراعها، إن ما يجري اليوم في همدان لم يحرّك البند السابع..!!.