منذ بدء الخليقة والميزان منصوب بكلمة من الحق الذي جعل لكل شيء ميزاناً، ولكل سبب مُسبباً ، ولكل بداية نهاية تؤذن ببداية أخرى ، وفي سورة «الرحمن» قال تعالى :(والسماء رفعها ووضع الميزان ألاّ تطغوا في الميزان) والمعنى أن كل كائن في الوجود خاضع لميزان معلوم، وأن الإنسان مُجبر على التساوق مع الميزان وعدم الإخلال به. وبهذا المعنى يكون «الجبر» خيار الراشدين الطائعين، والخيار«السلبي» طريق المُعتدين الظالمين، الذين يتنطّعون على قوانين الكون والوجود، فيدفعون ثمن ذلك عاجلاً أم آجلاً، والشاهد أن الاعتداء على الطبيعة، والإخلال بميزان البيئة ونواميسها ينقلب يوماً عن آخر على الإنسان الذي سمح لنفسه بعدم احترام الميزان الإلهي لهذا الكون، ومن أفدح ماسمعت وشاهدت تلفزيونياً أن أعداداً غفيرة من النحل وبما يقدر بمئات آلاف الخلايا تندثر في الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن يُغادر النحل خلاياه ويذهب لخيار الموت والانقراض، وقد اكتشف المزارعون وعلى حين فجأة أن النحل لا ينتج عسلاً فحسب، بل إنه الكائن الوحيد القادر على تلقيح مئات أنواع النباتات من خلال تكوين جسده المجهز بشعيرات دقيقة تقوم بوظيفة تلقيح تلك النباتات، وبالتالي تكاثرها المؤكد .
يتوقع علماء الزراعة أن انقراض النحل سيؤدي إلى انقراض موازٍ لكامل النباتات التي تعتمد على التلقيح عبر هذا الكائن الفريد، مما ينذر بعواقب وخيمة، ويؤكد مرة أُخرى مدى الفداحات التي اقترفها الإنسان بحق الكائنات الحية والطبيعة، وفي نهاية المطاف بحق نفسه، وهو الذي عانق قبل حين كارثة «تسونامي» وعواصف «ريتا وكاترينا»في جنوب الولايات المتحدة، وسيتلقى قريباً نتائج إصراره على تلويث الهواء الجوي ورفع منسوب الحرارة، وما يصحبها من ذوبان للجليد القطبي، وتقلبات غير مألوفة في الفصول، وكوارث محتملة لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها .
فارق البشر منطق التكوين وميزان الحقيقة الأزلية، فحفروا لأنفسهم حفرة لا خروج منها، ومازالوا يشتطُّون في غلوهم وهيامهم بالأنانية المفرطة.
Omaraziz105@gmail.com