|
|
|
|
|
خلافاتنا قوة لعدونا
بقلم/ دكتور/عبدالعزيز المقالح
نشر منذ: 10 سنوات و 8 أشهر و 11 يوماً الأحد 23 مارس - آذار 2014 05:30 م
لم يعد خافياً، ومنذ بداية النكبة التي أدعوها بالعربية وليس بالفلسطينية فقط، أن الشعب العربي الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال منذ أكثر من ستين عاماً لم يكن إلاّ ضحية الخلافات العربية العربية أولاً ثم الخلافات الفلسطينية الفلسطينية ثانياً، وربما كانت الخلافات بين أبناء القضية هي الأقسى والأدهى، فقد مزقت صفوف المناضلين وجعلتهم ينشغلون بالقضايا الثانوية ويدخلون في عراك غير حميم ولا سليم مع إخوتهم في المأساة وما ينتج عن كل خلاف من خضوع لأبشع احتلال استيطاني عرفته البشرية قديماً وحديثاً . ومثلما كانت الخلافات في أوساط المناضلين الفلسطينيين مدعاة إلى الضعف، فقد كانت مدعاة قوة للعدو الذي استطاع أن يلعب على إيقاعاتها داخلياً وخارجياً، كما استطاعت القوى الدولية التي تساعد هذا العدو وتحميه أن تلعب بدورها على هذا النوع من الخلافات، وأن تجعل من انقسام الفلسطينيين وسيلة لاستمرار تمزيقهم وإطالة عذابهم .
وإذا كان من منطق الحياة ومن سننها الثابتة أن الوفاق في حياة الناس هو القاعدة والخلافات هي الاستثناء، فإن الواقع العربي الراهن يؤكد عكس ذلك تماماً فقد أصبحت الخلافات هي القاعدة والوفاق هو الاستثناء . والمؤسف أن يحدث ذلك داخل العائلة الفلسطينية الواحدة، وأن يتمزق أبناؤها إلى منظمات وجماعات وأحزاب، وأن يغيب عقل القيادات الواعية فتنساق في هذا الطريق الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من التفكيك والانقسام، وقد شهدنا كيف تحولت فوهات البنادق في وقت من الأوقات إلى صدور هؤلاء الأشقاء بعضهم بعضاً، لا إلى صدور الأعداء الذين لا يكفون عن استقطاع الأرض وتقتيل البشر، والذين يرقصون فرحاً كلما رأوا غبار المعارك يتصاعد من منازل أخوة الدفاع عن الحق الضائع والأرض السليبة . وفي هذا الصدد ما أسوأ أن يتقاتل المقاومون ويقدموا الأضاحي النبيلة في سبيل خلافات لا مبرر لها ولا معنى، ومن أجل سلطة موهومة لا وجود لها إلاَّ في أذهان العقول الصغيرة .
وليس بجديد القول إن الخلافات والانقسامات في أي بلد كان، تشكل مدخلاً وبيلاً إلى تبديد قدراته وتحطيم طاقات أبنائه، وهي تكون أشد مرارة وأسوأ في نتائجها عندما تكون في بلد محاصر من كل الجهات، ويعاني احتلالاً واستيطاناً شرساً، والحكمة تقتضي في مثل هذه الحال أن يتفادى الجميع أي دعوة أو فكرة تدفع نحو الانزلاق إلى الخلاف تحت أي مبرر أو تصور، وتأجيل الموضوعات الخلافية الثانوية إلى ما بعد التحرير إن كان لا بد للخلافات أن تخرج إلى السطح، أما في سنوات النضال، سنوات منازلة العدو ومقاومة عدوانه فلا مكان إلا للموقف الواحد والاتجاه الواحد والإصرار على المقاومة بكل أشكالها المتاحة . هكذا فعلت الجزائر في مقاومة الاحتلال الاستيطاني، وكذلك فعلت شعوب أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية، وشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، الذي صار مبتذلاً لكثرة ما تردد في غير موقعه هو هنا الشعار النبيل الصحيح للمرحلة التي تمر بها القضية العربية المركزية، قضية فلسطين .
إن الجرح الفلسطيني ينزف باستمرار منذ وقوع النكبة وحتى هذه اللحظة، وما العدوان الصهيوني الأخير على غزة الذي تم منذ أيام فقط إلا حلقة في سلسلة طويلة من الاعتداءات التي تدعو الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم إلى نسيان خلافاتهم ورأب الصدع القائم بين التكوينات السياسية، بل وتدعو كذلك بقية الأنظمة العربية إلى نسيان خلافاتها والبدء بالنظر العاجل والسريع إلى ما يحيط بالأمة العربية من مخاطر باتت تتزايد يوماً بعد يوم، والنظر إلى ما يبذله الأعداء من جهود حثيثة للاصطياد في المياه العكرة لإغراق الأمة في مزيد من الانقسام والإرباك . وواضح أنه لا خلاص من سوداوية المرحلة الراهنة ومحمولاتها الثقيلة إلاّ بتجاوز هذه الخلافات والتأسيس لمستوى جديد وجاد من العلاقات التضامنية ووحدة الصف قبل أن يتسع الجرح وتفقد الأمة آخر إمكانية للوقوف في وجه التحديات غير المسبوقة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخنا القديم والحديث .
" الخليج الإماراتية "
|
|
|
|
|
|
|
|