إنَّها علاقتي بالكتاب - الورقي- ومتابعتي لبعض نشرات الأخبار - الإذاعية والتلفزيونية - والبرامج الثقافية والسياسية، لقد حالت بيني وبين متابعة المواقع الالكترونية الخاصة، وصرفتني عن فتح موقع خاص بي؛ ولكني أطلُّ سريعاً على بعض مواقع الصحافة الالكترونية لإرضاء فضولي الصحافي.
في واحدة من تلكم الإطلالات قرأت خبراً منسوباً إلى صاحب البداية الباعثة على التفاؤل الأخ اللواء عبده حسين الترب، وزير الداخلية ،يدعو فيه المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية بعد الجريمة الشنعاء في حق جنود قوات الأمن الخاصة في حضرموت، وجاء في الخبر تأكيده على ملاحقة المجرمين، وأنه - في موقعه الخاص- قد أعلن عن استعداده لتقديم نفسه إلى المحاكمة والمساءلة القانونية إن لم يعمل على حماية كرامة كل جندي وضابط.
لم أتأكد من ذلك بالدخول على موقع الوزير، واكتفيت بما تناقلته بعض المواقع الإخبارية لأقول - إن صحّ ذلك - فهو وزير شجاع يعرف جيداً ماذا تعني أمانة المسؤولية وواجبات وشرف المهنة، خاصة ذات الوظيفة الأمنية المسؤولة عن حماية أمن الناس وحقوقهم المختلفة، لم يقل الوزير سأستقيل أو أطلب تنحيتي، بعد مساءلتي؛ بل سأقدّم نفسي إلى المحاكمة والمساءلة..!!.
شكراً لك معالي الوزير، فما دامت كرامة المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية تهمّك إلى هذه الدرجة، فهذا ما يبشّرنا باهتمامك بالمواطن الذي قَبِلْتَ حمل أمانة ومسؤولية حماية كرامته وأمنه وسلامته وحقوق كفلها الدستور والقانون، ونأمل أن يشاطرك كل مسؤول معني بهذا الأمر - ومنهم وزيرة حقوق الإنسان - وأن نسمع الجميع يقول «سأقدّم نفسي إلى المحاكمة والمساءلة إن لم أحْمِ وأصُن كرامة وحقوق مواطن في أقاصي البلاد ومستضعفاً أهدروا حقاً من حقوقه».
عزيزي وزير الداخلية - الجديد - لم أستقبل قرار تعيينك بارتياح لسبب واحد هو أنك حللت محل صديقي وزميل دراستي - الثانوية - اللواء دكتور عبدالقادر قحطان، ومع ذلك أقول: ما أحوجنا إلى وزراء بهذا الحماس يتحدثون بحزم وثقة ويلتقون القيادات الصحافية متمثلاً بقول الخليفة عُمر “رضي الله عنه”: «إن رأيتم فِيًّ اعوجاجاً فقوموه....» فيردّ عليه صحافي بقوله: «تالله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناه بأسِنَّة أقلامنا».
إن شاء الله سنتحدّث كثيراً إن التقينا، ودعني أعود إلى لُب الموضوع بالقول: ما أحوجنا نحن أبناء اليمن - وتحديداً من لا نفوذ له ولا مركز قوة - ما أحوجنا إلى من لا تدفعه شجاعته وتهوّره لحمل الأمانة التي تبرّأت منها السماوات والأرض، بل يكون دافعه هو ضميره، وحرصه على اليمن، فيكون مستعدّاً للتضحية وتقديم نفسه إلى المحاكمة، إن عَلمِ بظلم ضعيف، أو إهدار حق من حقوق كفلها الشرع والدستور للمواطن اليمني على أرض وطنه.
ما أحوجنا اليوم إلى ذلك، ولا نقول هذا مبالغةً، بل استناداً إلى ما يقوله الواقع المُعاش، ومن الشواهد على ذلك، ونظراً لضيق المساحة المحدّدة لهذه «الإضاءة» أكتفي بالإشارة إلى أننا وبعد أربعة وعشرين عاماً على تحقيق الوحدة اليمنية ودستورها الذي كفل وحمى حقوق الإنسان السياسية والفكرية والتعليمية وغيرها من الحقوق التي تبدأ بحقّه في الحياة وتنتهي بحقّه في استخدام الطريق.
بعد كل هذا وما يزيد عن نصف قرن من عمر الثورة اليمنية «سبتمبر وأكتوبر» نجد ما يثير دهشتنا واستغرابنا أن يوثّق تاريخنا - الحديث جداً - وقائع تقطعاتٍ في الطرقات العامة واغتيالات، وصِدامات وحروب - يشهدها المجتمع اليمني - يتم إيقافها أو تهدئتها بتوقيع اتفاقيات تنصُّ على أمور مثل «عدم اعتراض النشاط الثقافي السلمي، وكفالة حرية التعبير والانتماء السياسي والفكري، وأمن الطرقات..».
هكذا وبعد كل ما أشرنا إليه يتم توقيع اتفاقيات وتعهدات بين طرفي نزاع سياسي وفكري يتضمّن نقاطاً تنص على الالتزام بالقبول بالآخر، وحرية التعبير السلمي، وحق استخدام الطريق..؟!! والتخلّي عن العنف والاضطهاد.
هل كنّا نكذب على أنفسنا، هل اختلّ ميزان العدل والمساواة لصالح طرف ضد طرف، هل استقوى تيار ضد آخر إلى درجة توليد عوامل اللجوء إلى السلاح، هل.. هل..؟!.
هذا ما نتركه لأقلام الباحثين المنهجيين المحايدين، الباحثين عن الحقيقة، وإذا ما كانت تلكم المطالب قد قُدِمَتْ من أحد طرفي النزاع والاقتتال، فإن قبول الطرف الآخر، بل توقيعه عليها، يدل على أن هناك من اعترف بخطئه في حق الآخر، وأن هناك رغبة في إصلاح خطأٍ وفتح صفحةٍ جديدة، والتخلُّص من سلبيات لا تُولِّد إلاّ ما يهدّد وحدة الوطن والمجتمع وواجباتنا نحو أجيالنا القادمة.
وفي هذا ما يبعث الأمل ويخفّف الشعور من مخاطر سحابات سوداء لا تمطر إلاّ مصائب؛ جنَّبنا الله ما تفعله ببلدان عربية تُدمي قلوبنا معاناتها، ونزيف دماء أبنائها بلا تمييز.
شيء من الشعر:
ما أتيناك يا رب
نَطْلُب حقَّ القصاصِ بِظُلاَّمِنَا
وعِقابَ السماءِ لمن سكبوا مِلْحَ أحقادِهم
في جراحاتنا
ما أتيناك إلاّ نقول:
رَبَّنَا اغْفِر لنا
مِثْلَ غفرانِنا للذين أساءوا لَنَا