اليمنيون يظهرون يومياً كأنهم أسرى حرب إذا جاز التشبيه، غير أنهم في الحقيقة الأكثر توقاً للغبطة بالحياة على الرغم من البؤس المنتشر والتعب المتراكم وانقهار الأحلام الذي زاد عن الحد. . هذا الشعب لا يستسلم بسهولة، كل لحظة يحفز اليمني البسيط جذوة الأمل رغم أنف اليأس، تحاصره الأزمات فيتجاوزها عبر وعيه العميق بآماله التي لا مناص من التشبث بها.. تتكرر الخيبات والخذلانات فيهرع اليمني إلى تجديد إصراره على الحماس والإرادة والصبر.
الشعب اليمني من أعظم شعوب الأرض في المكابدة والتضحيات، يسحرني ذلك النمط اليومي الفريد الذي يعيشه اليمني في عفوية الاستبسال الصعب، وبينما تثخنه المخاطر إلا أنه يمنح عطاء الابتسامة والحب دون مقابل، أتحدث هنا عن اليمني البسيط، القادر- وتلك ميزته الخصوصية - على الفرز الجيد في ظل انهمارات قيم الغش العام والمغالطات اللاوطنية من حوله، الملهم والأسطوري والمتسق مع جوهره الصلب النقي، فهو وحده نموذجي الذي اعتز به.. نموذج السواد الأعظم من اليمنيين الذين يعشقون بعضهم ووطنهم بجنون مهما كانت المواجع واكتساح قيم الأنانية والفردانية المتوحشة.. اليمنيون كشعب مثابر وكادح وشامخ وعزيز نفس حتى وإن تحداهم الفقر ولصوص خيراتهم والفساد وأحلك الظروف.
شعب لا أطيب منه وممتلئ بالغفران والتسامح بينما تخذله نخبته على الدوام.. شعب حضاري بكل ما تعنيه الكلمة فيما عانى من منهجة عملية تخلفه حضارياً بشكل لا أقسى ولا أحقر منه.
شعب لا يفتقد إلى روح الإبداع والكرامة بقدر ما ابتلي بمراكز نفوذ وهيمنة من كل الأصناف، غايتها استنزافه وإذلاله واستغلاله وإطفاء نور عينيه للأسف.
كل المؤشرات تقول: إن هذا الشعب سينتصر على الأوغاد حتماً.. هذا الشعب الذي يتحيز لبناء دولة دفع من أجلها الكثير من التضحيات.
هذا الشعب الذي يفكر بإيجابية بعيداً عن الإحباط والخوف والسلبية.
هذا الشعب الذي يتجاوز بهمومه المتوحدة النعرات القبلية والمناطقية والمذهبية.. هذا الشعب صاحب الطاقة العقلية والعاطفية القوية من الحماقة أن نعتقد لحظة بضعفه طبعاً.. هذا الشعب الجدير فقط بالتمعن والاحترام وانتظار كلمته المدوية في لحظات الفصل والحسم.
هذا الشعب الجبار الذي يشعر بالتفاؤل ولم تدفعه القيم السيئة التي لا حصر لها إلى النكوص الكلي والاستلاب التام.
هذا الشعب الذي انهالت عليه الأهوال على مدى عقود ومازال قادراً على إدهاشنا كل يوم.. حذار حذار من الاستهزاء بشعب كهذا.
fathi_nasr@hotmail.com