ما سأقوله اعتبروه من قبيل النكتة، وبالعربي الفصيح يمكن اعتباره مما يندرج في إطار شر البلية ـ وشر البلية ما يضحك كما قيل منذ القدم ـ فهو لا يخلو مما يضحك على طريقة أبي الطيب المتنبّي في قوله “ولكنه ضحك كالبكاء”.
سأختصر وأقول للأحزاب والجماعات بمختلف أشكالها وأنواعها: احرصوا على تثقيف كوادركم وإن إجبارياً، وإن كان ديننا الإسلامي يقول لنا بأن لا إكراه.. ـ احرصوا كل الحرص على تثقيفهم منذ استقطابهم لا عن طريق المحاضرات التي تجعل منهم عبارة عن متلقّين فقط ـ أو أجهزة استقبال ـ حيث يكون عليهم الاستماع والتلقّي، فلا يتمكنون من المناقشة والاستفسار والجدل، ولكن عن طريق التوعية والتثقيف الحزبي عبر جلسات النقاش والحوار، حتى يتمكنوا من تبنّي آرائهم وأفكارهم عن فهم وجدارة.
بالمناسبة ـ وليس خارج الموضوع ـ كنّا تلاميذ في المرحلة الثانوية، وبحكم السن والحماس والتطلُّع والطموح، استهوتنا أفكار ورؤى ونظريات فكرية وحزبية، فالتحق الكثيرون منا بأحزاب وتيارات سياسية فكرية، وكانت تحرص على توعية وتثقيف العضو أو الكادر أو النصير الجديد عبر جلسات النقاش مع المسؤول الحزبي والتلخيص الإجباري للكتب التي يُطلب من العضو قراءتها وتلخيصها وإثبات أنه استوعبها من خلال جلسة أو حلقة النقاش، فلماذا لا تحرصون على تثقيف كوادركم، حتى لا يكونوا عبارة عن أصوات انتخابية فقط، أو يقعوا في موقف لا يُحسدون عليه كما سأحكي عنه باختصار.
هو شاب في مقتبل العمر، يتدفّق حيوية ونشاطاً كما تتدفّق الكلمات من فمه وهو يتحدّث عن «الرافضة أو الروافض» المارقين الذين يستحقون القتل ذبحاً وتفجيراً والتنكيل الذي يجعل منهم عبرة ويلقي ويزرع الرعب في قلوب الآخرين..!!.
سألته: من المقصود بهؤلاء الروافض الذين لا يستحقون من وجهة نظرك حق الحياة ولا الانتماء إلى الإنسانية..؟!، فأجاب: جميعكم يعرفهم، إنهم أولئك الذين يفسدون علينا حياتنا وما نحن فيه، برفضهم للجرعة ـ رفع الدعم عن البترول والديزل ـ ويخرجون على الحكومة ويطالبون بإسقاطها.
قلت له: ولكنك شاب تعيش في القرن الـ21 وتعرف أن من حق أي إنسان حر أن يرفض ما يرى رفضه وعدم القبول به، عدا المسلّمات الدينية وأحكامها المنصوص عليها في القرآن الكريم والكتب السماوية.
أجاب ـ بحِدّة ـ ولكن هؤلاء الروافض عملاء وخونة ويريدون القضاء على الثورة والجمهورية.
قلت له: لا نوافقك على هذا، فأنت لم تتجاوز بل شطحت.. أنسيت ـ إن كنت تعلم ـ أن من بين الرافضين للإصلاحات السعرية من هم سبتمبريون، أي ممن شاركوا في ثورة سبتمبر والدفاع عنها، ومن حمل السلاح في المعارك الحاسمة في السبعين يوماً دفاعاً عن الثورة والجمهورية، وبينهم أيضاً من هم أبناء وأحفاد لثوار سبتمبر، وثوار 1948م، ومنهم من دعا وعمل من أجل استعادة الوحدة ودافع عنها ولا يزال.. كيف تصفهم بالروافض وتتهمهم بالسعي إلى القضاء على الثورة والجمهورية..؟!.
أجابني مبتسماً وكأنه كشف الغطاء عن غبائي وعدم قراءتي للتاريخ وما يوثّقه الشعر عن الرفض والرافضة، وقال: لو كنت متابعاً لعرفت أن هذا ما يؤكد حُكمي عليهم، وأنهم الروافض أبناء الروافض، ألم يقل الشاعر ـ الماجن ـ عبدالله عبدالوهاب نعمان الذي ما أخطأ من لقّبه بـ«الفضول».
وهنا قاطعته قائلاً: عبدالله عبدالوهاب لم يلقّبه أحد بـ «الفضول» بل هو من أطلق على نفسه هذا اللقب من خلال صحيفته، فقاطعني بدوره وقال: المهم أنه أحد مناضلي 48 وابن لثائر أو رافضي من روافضها، كما هو شأنك، ألم يقل في قصيدة يتغنّى بها أيوب طارش:
أربعينياتنا فيها رفضنا
وضُحى سبتمبر فيه رفضنا
ومدى السبعين يوماً قد رفضنا
وسنمضي رافضين
أليس في هذا تأكيد على أنهم قد رفضوا وكانوا روافض في 48 وفي 26 سبتمبر، وعلى مدى السبعين يوماً التي تتبجّح بها..؟!. وعليه فلا غرابة أن يخرج من تبقّى من أولئك الروافض أو أن يخرج أبناؤهم وأحفادهم مع روافض الجرعة.
قلت له: ليس الأمر كذلك، ودعني أوضح لك، ولكنه قاطعني محتدّاً بقوله: الأمر واضح كالنهار، عُد إلى قصيدة صاحبك «الفضول» إنه يقول: رفضنا ورفضنا، ورفضنا وبصيغة الجمع، ليس هذا وحسب، بل إنه يقول في القصيدة إيّاها وبلسان أيوب طارش:
نحن رفضٌ أبداً لكننا
نعشق الحق جليلاً ومُهابا
هل يكفي ما قاله صاحبكم «نحن رفضٌ أبداً» أم أزيد..؟! ابتسمت وقلت له.. وهل وضعتني أحد الروافض في قاموسك..؟!.
أجاب بحدّة: نعم رافضي ابن رافضي، ألم يكُن والدك أحد الرافضين في 48م..؟! أو أحد روافض الأربعينيات، وأنت ألم يتغنّى أيوب طارش بقصيدة لك تقول فيها: “ورفض قواعد للحكم لا تبنى على الشورى”..؟!.
لم أجادله ولكني تشفّيت بجهله وسخرت من حزبه أو جماعته التي لا تهتم بتثقيف كوادرها، وقلت له: أنصحك يا عزيزي أن تسأل الشيخ أو المسؤول الحزبي عنك عن كلمتي «رافضي وروافض» وكيف صارت مصطلحاً، ومتى قيلت جملة «اذهبوا فأنتم الرافضة» ومن قالها ولمن وكيف، ومتى صارت كلمة «رافضي» مقابلة لكلمة «ناصبي» أنصحك بهذا ما دمت تحرص على قراءة التاريخ، وما وثّقه الشعر عن أحداثه ومستجدّاته.
abbasaldilami@gmail.com