لا يختلف اثنان بأن الفساد سرطان أو داء ما استشرى في أي مجال من مجالات حياة المجتمع إلا وشل أداءه إن لم يصبه بمقتل.. هذا ما يعرفه الجميع والفساد في مفهومه اجتهاداً صار اليوم يمثل منظومة متكاملة من الممارسات والسلوكيات التي ينبذها الفرد الصالح قبل أن ينبذها المجتمع الذي يتطلع لخلوه في واقعه.
وإذا ما وقفنا مع معطيات وأدبيات وأهداف أي ثورة من الثورات دون استثناء سنجد أن من أهم مرتكزات ومنطلقات الثورة اجتثاث أو استئصال شأفة الفساد باعتباره الركيزة الأولى لنشر الظلم وتعدد الطبقات في أوساط المجتمع إلى جانب أنه من الأسباب الرئيسية لفشل وسلامة المسار.
وفي واقعنا اليوم صار الفساد من أخطر القضايا والهموم اليومية للفرد والمجتمع كونه لم يعد يستثني أياً من هياكل مقومات الدولة بسلطاتها وهذه الحقيقة مسلم بها من قبل الجميع وهو ما تؤكده حالات التذمر وما يدعو كلاً منا لمحاربته والعمل على اجتثاثه نظراً لخطورته على مسار حياتنا.
الفساد بمنظومة السلبية والسيئة أمست وأضحت مطالب اجتثاثه مطالب حياتية و حقوقية لابد من تحقيقها كونها ألحقت الضرر الفادح والكبير بكافة مجالات حياتنا ويمثل استمرارها مزيداً من الفتك والضرر الذي لا شك أنه سيفقد فاعلية الحياة بمنظوماتها وقوانينها وتشريعاتها.
الفساد في بلادنا طال كل شيء ولم يستثن مؤسسة دون أخرى أو جهازاً دون غيره وكأمثلة ليس إلا... عندما تستدعي حاجتك إنجاز معاملة ما.. فإنها تكلفك وقتاً وجهداً وإمكانيات استثنائية لإنجازها.. وإذا ما دعتك الحاجة لطلب دعم أي من السلطات كالأمن وأجهزة الضبط القضائي فإن الاستجابة لحاجتك تكلفك الكثير والكثير.. وفي حالة العجز عن تلبيتها فما عليك إلا أن تشكو حالك إلى الله الذي لا حول ولا قوة إلا به.
إن واقع حال أداء الوظيفة العامة يشكو غياب مبدأ الثواب والعقاب وربما الحال في كافة مرافق الدولة ودون استثناء... إن غياب رقابة الضمير لدى البعض قد دفعهم إلى الإساءة لأمانة المسئولية التي يتحملونها.. وصاروا حتى لم يؤمنوا بأن خيانتهم لأماناتهم سيحاسبون عليها أمام الله سبحانه وتعالى إذا حالفهم حظهم الهروب من عقاب الدنيا.. إن في واقعنا آلاماً وفواجع ومظالم لا تحصى... وفي ظل استمرارها لا يمكن أن تستقيم أمور حياتنا ولابد من أن يحاسب أي منا نفسه إزاء مسببات ما آل إليه واقعنا... ولابد لأي منا أن يثور على مظالمه.. فإزالة المظالم واجتثاث الفساد بمنظومته الضارة والمريضة لم تعد اليوم مسئولية دولة أو حكومة أو سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية.. وإنما أضحت مسئولية المواطن المتضرر منها بالدرجة الأولى والمعني بجني إفرازاتها السيئة.
اليوم أعتقد جازماً أن الفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتصحيح مسار كل الاختلالات وقطع دابر الفساد ومحاسبة الفاسدين أين ما كانوا وحيثما تواجدوا.. والأجهزة المعنية بمعالجة قضايا الفساد ومحاسبة الفاسدين تحتاج إلى الزخم الشعبي لمناصرتها وتنويرها والقيادة السياسية قد أكدت على أهمية كبح جماح الفساد على طريق اجتثاثه واستئصاله.. فهل سندرك مسئولية كل منا في وضع نهاية للفساد والفاسدين.