ابتكرت شرطة السير "المرور" في اليمن طريقة جديدة للخدمات المرورية استقتها من خدمات الفنادق والمطاعم والبوفيات "أخدم نفسك بنفسك"، بحيث أن كل مواطن يمر في الشوارع سواء كان يمشي على قدميه أو بسيارته أو دراجته النارية يقوم على خدمة نفسه ولا يحتاج لرجال المرور الذين أصبح تواجدهم في الجولات بشكل نادر، وإن تواجدوا فيقتصر التواجد على الوقوف موقف المتفرج في أحد أركان الجولة ولا يتدخلون على اعتبار أن هذه الطريقة تجعل كل مواطن يخدم نفسه بنفسه.
ما دعاني لكتابة هذا الموضوع هو ما أشاهده ويشاهده كل مواطن في كل وقت وحين خلال المرور في الجولات والشوارع بالعاصمة صنعاء من فوضى مرورية عارمة تعكس المستوى المتدني جدا جدا لوجود النظام والقانون وكذا غياب القيم لدى مستخدمي الطريق، فكلٌّ منهم يحاول مخارجة نفسه ولو على حساب الآخرين وكل بحسب شطارته ولو أن أحداً من المسئولين بدءاً من رئيس الحكومة ووزير الداخلية وصولاً إلى كافة المسئولين المباشرين على هذا القطاع كلفوا أنفسهم بالمرور ولو مرة واحدة من هذه الجولات ونزلوا وتفقدوا أحوال الناس ومعاناتهم لتغيرت أحوال كثيرة، لكنهم يظلون قابعين في أبراجهم العاجية ولا يهمهم المواطن وما يعانيه كما يبدو أنهم اخترعوا طرقاً وشوارع جديدة لهم ليمروا منها دون أن يراهم أحد أو أن يدخلوا مع المواطن في الزحام والفوضى والتعب .
أعتقد أن كل هذا العبث والانتهاك الصارخ لكل قواعد وأنظمة المرور من قبل جميع مستخدمي الطريق دون استثناء يؤكد أننا مازلنا بعيدين عن الطريق الحقيقي للتقدم والتطور فالالتزام بهذه القواعد من أبجديات التطور ولأن كل هذه الأنظمة التي تم اختراعها لخدمة الإنسان تصل إلى بلاد العرب السعيدة وتنتهي وتتلاشى وبكل برودة وأريحية بل أن الكثير من أبناء هذا الوطن يتفاخرون بأنهم يكسرون كل قوانين وقواعد السير والمرور ولا يلتزمون بها ولا يدركون أخطار عدم الالتزام بهذه الأنظمة والكوارث التي تسببها والخسائر البشرية والمادية التي نتكبدها يومياً وشهرياً وسنوياً جراء ذلك.
وما يحز في النفس أن رجال المرور المناط بهم تنظيم عملية السير وتنفيذ القانون لا يملكون أي سلطة فعلية في الواقع للقيام بمهمتهم كما ينبغي، وربما يعود الأمر إلى انهيار سلطة الدولة والحكومة فلم يعد أحد يحترم سلطة رجال المرور إضافة إلى أن رجل المرور مغلوب على أمره فراتبه ومستحقاته التي يستلمها شهرياً لا تصل إلى خمسين ألف ريال وبالتالي كيف نريد منهم الانضباط في أماكن عملهم وهذه مرتباتهم، وأنا في اعتقادي أن جهاز المرور بحاجة إلى إعادة نظر في كل شيء ورفده بكل الإمكانيات والتجهيزات الحديثة والكوادر الكفؤة والمؤهلة القادرة على إدارته بالشكل المطلوب، كما أقترح على وزارة الداخلية استقدام خبراء من بعض الدول التي نجحت في حل معضلة المرور للاستفادة من تجربتهم وفي حالة عجزهم عن استقدام خبراء يمكن أن يستفيدوا من تجربة مطاعم كنتاكي المعروفة لتنظيم العملية على طريقة اخدم نفسك بنفسك .
ومما لا شك فيه أن حل المشكلة المرورية في اليمن بحاجة إلى رؤية جديدة بعيداً عن العشوائية الحالية التي تدار بها أجهزتنا المختلفة.