في تجربتها الوحيدة والمتفردة بعنوان «تقارير السيدة راء» كان للأديبة الراحلة رضوى عاشور، مساهمة خاصة في تذويب الحواجز بين الأنواع الكتابية .. في تلك التجربة التي مازجت فيها بين الكتابة التقريرية المباشرة، مع النص السردي بمحمولاته المتنوعة، وقابلياته الواسعة للتحولات الدلالية والفنية، وانبثاقاته القيمية المرتبطة بضرورات الأرض وحكمة السماء، والنفس الحياتي الكوموتراجيدي الذي يُسيِّج أيامنا وليالينا العربية، حتى بدت تلك التجربة حالة من الجنس الأدبي والفني الذي لا جنس له، وكانت «راء» الافتراضية سيدة تتناسخ في حضوراتها وحيواتها ومناجزاتها، في تعبير آخر عن قابليات الأنواع الفنية للتناسخ، والتواشج، والتفاصل، والتكامل أيضاً.
قال بعض النقاد بأن هذه كتابة تجريبية، ولاحظوا أنها صادرة عن التجريب المشفوع بلغتي النقد والأدب معاً، لكن هذا التعميم بدا قاصراً عن مجاورة الحالة الإبداعية للناقدة الأديبة رضوى عاشور، ذلك أنها عُرفت دوماً بالتؤدة، وعدم الاستعجال، والحفر المتأنِّي على تيماتها النقدية والإبداعية، والحذر من المغامرات الكتابية غير محسوبة العواقب، والتجلِّي الساطع في زمن الإبداع غير القابل بالتسارع المنفلت من إكراهات المعنى والمبنى.. ومن هنا يمكن ملاحظة تجريباتها المتنوعة في أكثر من سياق سردي.
التجربة الأكثر وضوحاً في هذ الجانب تتمثَّل في رواية «ثلاثية غرناطة» التي نالت بها جائزة أفضل كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 1994م، حيث كان استقراء التاريخ في معادلة الحاضر الشاخص سمة واضحة المعالم في تلك الثلاثية، التي باشرت فن الإسقاط بنمطية من طراز مغاير، كما أن المكان والزمان تناوبا حضوراً رشيقاً في التداعي الحُرِّ مع الأحوال والمتغيرات، وتباعدت الروائية بقصدية نابهة، عن مألوفات أجواء القصور والسلطان والمشاهد التعبيرية الأكثر انتشاراً في الرواية التاريخية لتكشف لنا نماذج من عامة الناس، ممن كان لهم الدور الأهم في معادلة المجد والأفول التاريخيين، وكأنها بذلك الاختيار تعيد تذكيرنا بما ذهب إليه كبار فناني عصر النهضة الأوروبي من مفارقة إجرائية لمألوفات الرسوم في الفن الكلاسيكي في ذلك الحين.
Omaraziz105@gmail.com