أخيرا حصلت وزارة التربية والتعليم على الفرصة المناسبة للتنفيس عن عضلاتها التعليمية من خلال امتحانات صعبة جعلت الطلاب سكارى وما هم بسكارى. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص مؤسستنا التعليمية على استثمار الأجواء الهادئة التي رافقت العام الدراسي، ابتداء من دوشة إنفلونزا الخنازير، مرورا بالإجازات، الإجبارية والاختيارية، والمسيرات، والاحتفالات، والطوبرة أمام محلات الغاز... فضلا عن المستوى الدراسي المنخفض لأسباب مهنية تعليمية لا علاقة للطلاب بها، وليس انتهاء بالانطفاءات الكهربائية.
الأدهى من ذلك أن الوزارة، التي لم توفر ما يكفي من المدرسين، والمتوافر منهم غير مؤهلين، تتفنن في اختيار المكلفين بإعداد الامتحانات من كبار العباقرة والمفكرين والمخترعين، فلا يستبعد مثلا أن الذي اعد امتحان الرياضيات هو "عبده خوارزمي"، والذي أعد امتحان الفيزياء هو الأستاذ "ناجي بن الهيثم"، والذي أعد امتحان الكيمياء هو "علي ولد حيان"، والذي أعد أسئلة الانجليزي هو الأستاذ الأميركي "يالي" جهبذ الـ إيه بي سي، والذي أعد امتحان الفلسفة هو صاحب المدينة الفاضلة الأستاذ أفلاطون...
على أنني أراهن، ومن كذَّبْ جرَّبْ، على أن وزارة التربية والتعليم لو قدمت امتحانات هذه السنة للمدرسين لسقط أغلبيتهم بما لا يقل عن ثماني "كعكات" ولحققوا درجات أقل بكثير مما سيحققها كثير من الطلاب!
لكنها عادتنا التعليمية المتوارثة، القائمة على التقصير في منح الطالب ما له، والحرص على مطالبته بما عليه. ويتناسى المسؤولون عن التعليم في بلادنا أن العقل مثل الأرض؛ بقدر ما تحرثه وتزرعه وتجعل منه تربة خصبة، تحصد محصوله وثماره.
لكن لعل المسؤولين التربويين في بلادنا يرون في استراتيجية الامتحانات الصعبة فوائد حكومية كثيرة:
- تحقق نسبة رسوب عالية، وبالتالي فهي تحرك المياه الراكدة وتنذر بأمطار موسمية تحملها عواصف الواسطة.
- تخفف من البطالة وتفتح الباب أمام استيراد المزيد من الموتورات ورفد الجولات بالأيادي العاملة.
- تمنح الرأس مناعة ضد الصلع المبكر.
- تخفف الكثافة الطلابية في المدارس الحكومية وتزود المدارس الخاصة برؤوس أموال جديدة تساهم في دفع عجلة التربية.
- تحويل وزارة التربية والتعليم إلى جنة التربية والتعليم؛ على اعتبار أن الطالب عندما يفاجأ بامتحان صعب لن ينجح بذكائه ولا بمذاكرته ولا باجتهاده، وإنما برحمة وزارة التربية والتعليم.