قال لي: حميمية العرب والتخلّف تتجلّى في استخدامهم مصطلح «داعش» في الثلاث سنوات الأخيرة بما يفوق بكثير استخدامهم لمصطلح «الحداثة» منذ خمسة عقود..!!.
والحاصل هو أن القضية الواقعين في غمارها منذ فترة طويلة كعرب هو حين يصبح التخلُّف كمشروع ممنهج، بما يعني في المقام الأول ضرورة الإصلاح الديني، وذلك لكونه أكثر ما تحتاجه شعوب الهمجية والتخلُّف في منطقة الوباء العربي الطائفي المتطرّف، على أن تكون الدولة المدنية عماده الرئيس، حينها فقط سيكفينا الله شرور جماعات الاستغلال السياسي للدين، وستكون هناك دول محترمة مبدعة، وستكون هناك مواطنة كريمة مبدعة، وسيكون هناك وعي ديني ناضج مصفّى من شوائب الاستغلالات المأزومة.
وبالنسبة لليمن؛ فهناك معضلة الإرهاب فيما الإرهاب لا تواجهه إلا دولة قوية وفق استراتيجية جادة وليس عبر جماعة تسخر من فكرة الدولة أصلاً.
والشاهد هو أن الحوثي استطاع أن يستغل كافة أخطاء الساسة لكنه بدلاً عنها قام بتوطيد الخطأ الأكبر، وبالتأكيد يبقى السؤال الأهم في كل هذه المعمعة: هل الحوثي مع دستور مواطنة متساوية ودمقرطة وتمدن إلخ، أم أنه سيتشبث برفضه لأي دستور لا تقر فيه مسألة «الولاية» الهائم بها..؟! تلك هي المسألة الجوهرية الآن، وما غير ذلك تفاصيل.
فبحسب الدكتور أبوبكر السقاف: “قضية القضايا هي أننا لم نعرف عصر نهضة، ثم إصلاحاً دينياً، ثم تنويراً، وهو السياق الذي حدث في الغرب، ذلك لأن الغرب عندما عانى وخاض كل تلك الآفاق الفكرية والعلمية وارتاد عوالمها باحثاًومغامراً؛ بلغ التسامح الديني، واعتماد العقل وحده في معرفة الإنسان والكون والمجتمع، وبعد أن سالت دماء غزيرة على امتداد قرون، تصالح مع نفسه وتاريخه، كان الأفغاني ومعه محمد عبده يطمح إلى تحقيق ثورة بروتستانتية في الإسلام، وهو الطموح الذي صرّح به الشهيد علي شريعتي داخل الإسلام الشيعي، ولم يحدث هذا حتى اليوم في الإسلامين السنّي والشّيعي ولم نتصالح حتى اليوم سنّة وشيعة؛ كما لم نتصالح مع العالم من حولنا ويخوض بعضنا اجتهاداً مدمّراً للنفس ورفضاً وقتلاً للآخر مسلماً أو غير مسلم”.
ولعل خلاصة هذا السياق تكمن في أنه لا خلاص للشعوب سوى بالمواطنة والمدنية، بلا خبل الخلافة أو عته الولاية، والمعنى أنه لابد من وضع حد لكل آثار الفساد المذهبي وبدائية الوعي بالدين وانهيار معطيات الضمير والعقل، ولتكونوا صالحين دوماً لغريزة الحقوق والحريات والدمقرطة والقانون والتطوّر والانتخابات المدنية الحديثة.
فالثابت أن الدين ليس غايته الانحطاط، وإنما الارتقاء على الدوام، الدين لا يثقل كاهل الشعوب والدول، بقدر ما يجعلها أكثر خفّة وأكثر نضجاً وفاعلية، هكذا أفهمه؛ بينما كانت مهمته العميقة - في سياق علاقته المهمّة بالدولة والمواطنة - تعرّضت مراراً للتجريف والتسويف والتشويه والمغالطة على مدى قرون كما نعرف، ولنأخذ في الاعتبار هنا ما تنطوي عليه من تأثيرات على المواطنة والدولة الحديثة والدمقرطة، كل من أفكار الولاية أو الخلافة شيعياً وسنياً، على أن الدين مع التفكير والإبداع وإنتاج الحلول الموضوعية لأزمات المجتمع، بحيث لا يمكنه تحبيذ حالات الرضوخ لطقوس الطائفية الشريرة وصراعاتها وتفضيلاتها وقسرياتها؛ لأنه مع رفض مهيمنات الاستغلال السياسي الفقهي المشين للدين، فضلاً عن أنه مع عدم الإضرار بتجانس الشعب وهويته الوطنية الجامعة بالذات.
وإذ يبقى الدين من هذا المنطلق مع تحقيق السلم المجتمعي والبرهنة الحيوية على عدم جدوى الاستبداد؛ فإنه لا يمكن أن يكون عائقاً للنهضة والمعاصرة في كل مكان وزمان، على اعتبار أنه الصيغة الأمثل للاحترام والتكامل والتسامح داخل حدود الدولة الضامنة لكل تجلّيات مفاهيم وقيم العدالة والتعايش وازدهار وحدة الشعب.... إلخ.
fathi_nasr@hotmail.com