المُقدمات التاريخية الحاكمة لعلاقة روسيا بأوكرانيا أوصلت إلى سلسلة من التشبيكات التداخلية التي من ضمنها اتفاقية تأجير ميناء القرم لروسيا، وهو الميناء الذي يشكّل قيمة لوجستية استراتيجية تمنح روسيا الكبرى إمكانية الإطلال التام على بحار الجنوب الدافئة، ولهذا السبب تتموضع العسكرية البحرية الروسية بقوامها الأكبر في تلك البحار التي لا غنى لروسيا عنها، كما أن أوكرانيا تحتاج إلى روسيا بصورة حاسمة؛ خاصة لجهة الطاقة الشتوية، كما أيضاً مردود إيجارات أنابيب الغاز الروسي التي تمرُّ عبر الأراضي الأوكرانية نحو أوروبا الغربية ذات الحاجة الحيوية للغاز أيضاً مما يرجّح كفة الميزان الروسي في حساب المصالح الاقتصادية المباشرة، كما يجعل بلدان أوروبا الغربية في وارد التردُّد لتسجيل موقف راديكالي ضد روسيا.
وعلى خط مُتَّصل.. بادرت روسيا برد مبكّر على منظومة الدرع الصاروخي الأمريكي المنصوب في شرق أوروبا؛ وذلك من خلال نظام “قاطرة الصواريخ” الروسي ذات الرؤوس متوسطة وقصيرة المدى؛ ما يجعل أوروبا تفكّر مرتين قبل الشروع في مجابهة سافرة مع روسيا.
ومن العوامل التي عزّزت الموقف الروسي في التعامل مع المتغير الأوكراني الجديد، استعجال السلطة السياسية الناشئة عن المتغير في التلويح بقرارات استفزازية؛ بل التصرُّف بمنطق الثورة لا الدولة، وكان الأجدر بها أن تتشاور مع روسيا القريبة، خاصة أن الكرملين يعرف مثالب الرئيس الأوكراني المخلوع ولا يحرص على استمراره في الحكم.
واحدة من مثالب الثوار المستعجلة تمثَّلت في التشكيل الحكومي الذي استبعد إجرائياً ممثلي الشرق والجنوب، وفاض برائحة شوفينية كريهة استفزّت مشاعر المواطنين الأوكرانيين من أُصول روسية وتتارية، كما جاء التلويح بالتعميم القومي اللغوي الأوكراني ليشكّل القشة التي قصمت ظهر البعير، وليمنح روسيا فرصة سانحة للتدخُّل المباشر وغير المباشر بحجة حماية المواطنين الأوكرانيين من القومية الروسية.
Omaraziz105@gmail.com