المخاطر التي تواجه البشرية هذه الأيام أكثر من أن تُحصى، وأبلغ آماداً من كل الخيالات الجامحة التي جعلت سيناريوهات الحرب الباردة مجرد لعبة بسيطة في حقل واضح المعالم، وذلك قياساً بالسيناريوهات المحتملة. لكن استعادة تلك الاحتمالات التي ترافقت مع الحرب الباردة، والتي كنا نعتبرها الرعب الأكبر، ستضعنا أمام حقائق أدهى وأمر.
في تلك الأيام من خواتم القرن العشرين المنصرم، بل قبل عقد كامل من نهاية قرن الشيطان ذاك، كانت جل السيناريوهات الابستمولوجية الأقرب للحروب المحتملة تؤشر إلى أن توازن الرعب القائم بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة سينقلب إلى حرب كونية مدمرة، إن لم يباشر الطرفان في القيام بتنازلات إجرائية شجاعة، تؤدي إلى نزع فتيل تلك الحرب المحتملة.. يومها كان الاتحاد السوفيتي قد تقدم بأكثر من عشر مبادرات سبقت المرحلة الغورباتشوفية، وتمَّتْ في تسعينيات القرن أثناء قيادة “برجينيف”، وكانت تلك المبادرات قائمة حصراً على تنازلات سخيّة من قبل الطرف السوفيتي ،وذلك بناءً على إفادات إرشيف المفاوضات بين السوفييت والأمريكان في جنيف. يومها كان الاحتساب للرؤوس النووية يتم على أساس الكم، وكانت سلسلة الرؤوس النووية السوفيتية أكثر عدداً من الرؤوس النووية الأمريكية، لكن هذا التفارق الكمي في عدد الرؤوس النووية بين امريكا والاتحاد السوفيتي لم يكن له أي معنى في حالة نشوب حرب نووية يستبعدها كل العالمين ببواطنها ومآلاتها المخيفة، والكفيلة بانقراض النوع البشري.
أذكر يومها أنني قرأت رصداً للسيناريوهات المحتملة، عند أول ضربة نووية تأتي عطفاً على صاروخ خرج عن نطاق السيطرة. كانت الصوامع النووية الأمريكية والسوفيتية، بالإضافة إلى آلاف الرؤوس النووية المنتشرة في البر والبحر والجو، كفيلة بالاستجابة لأنظمة الإنذار المبكر.. تلك التي كانت قادرة على التحرك في مدة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة، وكان انطلاق صاروخ واحد بالخطأ كفيلاً بانطلاق آلاف أُخرى، بناء على أنظمة الانذار المبكر لدى الطرفين، وخوفاً من أن تكون المبادأة النووية صادرة عن قرار سياسي!!.
Omaraziz105@gmail.com