ا
لحديث هنا عن أمطار فصل الربيع التي تأخر موسمها وليس عن أمطار ربيع الثورات تلك التي توقفت عن الإخصاب والإنبات. وإذا كانت وسائل التوصيل والتواصل قد وحدّت بين الريف والمدينة بصورة غير مسبوقة وجعلت همومها مشتركة إلاَّ أنها تبقى بعض التفاصيل التي تشغل سكان الريف وقد لا تشغل سكان المدينة بالقدر نفسه، ومن تلك التفاصيل انتظار سكان الأرياف لمواسم الأمطار، فالمطر كان وما يزال يشكل حياة الأرض وما تجود به من مزروعات تتوقف عليها حياة الناس الذين يشاركونها الإحساس بالجفاف والجدب ويشغلهم تأخر المواسم عن مواعيدها أكثر مما تشغلهم شؤون السياسة. ومنغّصاتها ومتابعة آخر تطوراتها سواءً على المستوى المحلي أو العربي أو الدولي، وتظل أعينهم مصوبة نحو السماء بحثاً عن الغيوم المحملة بما يروي ظمأ الأرض والنفوس.
ويستطيع ساكن المدينة –أي مدينة- بما في ذلك العاصمة أن يجتازها إلى أقرب منطقة ريفية ليدرك منذ الوهلة الألم المرسوم على وجوه الفلاحين لتأخر موسم المطر وما يتركه من احتمالات الوقوع تحت طائلة الجدب وضياع الموسم الزراعي بكل ما يسببه من خسائر غير قابلة للتعويض. وسيلاحظ الزائر للريف أن عدم العثور على محصول من الحبوب بعد أن توفرت -للأسف- عن طريق الاستيراد لم يعد مشكلة، لكن الزراعة ليست لتوفير هذه المادة فقط وإنما للحصول على ما هو أهم وهو طعام الحيوانات كالأبقار والأغنام وغيرها. وكادت عيناي تدمعان عندما وقفت على صورة الواقع الراهن في الريف نتيجة تأخر موسم الأمطار، كان الإنسان ذابلاً والأشجار ذابلة، الأرض جافة والحيوانات عجفاء. كان رتل من الأطفال يقودون الحيوانات إلى مسافات بعيدة لتشرب ولكي يملأوا بعض العلب البلاستيكية من مياه بئر ما تزال تقاوم وتحتفظ بقدر من المياه.
أخطر ما استدعى انتباهي أن كثيراً من سكان المنطقة إن لم يكونوا جميعاً، يُرجعون تأخر هطول الأمطار إلى ما يحدث في البلاد من انفلات وقتل للأبرياء وغياب الأمان حتى في قلب العاصمة، وقد توقفت طويلاً عند عبارة قالها رجل عجوز وهو يضغط على الحروف بأسنانه "في بلاد الكفر عدل ورحمة ولهذا يرزقهم الله بالأمطار الغزيرة" وهذا القول لا يعبر عن وجهة نظر هذا الرجل العجوز وحده بل يكاد يعبر عن سكان الأرياف جميعاً الذين انقطعت عنهم الأمطار واخلفت موعدها. مسكينة هي الأشجار الذابلة التي تعكس ذبول الإنسان وحسرته تجاه توقف قطرات المطر عن الهطول في حالة لا تتكرر إلاَّ في سنوات استثنائية تسمى في قاموس الريف بسنوات القحط والجدب وما يرافقهما من نفوق للحيوانات وجفاف مدمر للأرض.
لقد كان اليمنيون القدماء أكثر وعياً وحرصاً على مصيرهم من أحفادهم المعاصرين بما لا يقاس. وقد هدتهم ظاهرة الخوف من العطش والجدب إلى بناء السدود واختزان المياه لمواجهة سنوات الجفاف، وفي طول البلاد وعرضها بقايا معالم لعشرات السدود كانت تُبنى لاحتجاز مياه الأمطار والتصرف بها في أوقات الحاجة، وكان الإنسان اليمني في تلك العهود الغابرة يدرك أهمية قطرة الماء ودورها في حفظ الحياة بكل أبعادها وشمولها، كما كان مفتوناً باللون الأخضر وما يشيعه في النفوس من توازن وطمأنينة وإحساس بالأمل.
النكتة في الثورة اليمنية:
النكتة السياسية وجهة نظر تعكس مشاعر الرأي العام بأسلوب غير مباشر. وكثير من الحكام والقادة يتقبلونها بصدور رحبة ويجدون فيها وسيلة من وسائل الاحتجاج غير المباشر لإصلاح الأخطاء. وقد قام الكاتب الصحفي منصور الجرادي بجمع وتوثيق نماذج من النكت التي قيلت في أثناء الثورة الشبابية. ومن منطلق الحياد التام. وإذا كان يرى شأن كل الكتّاب أن قراءة الكتب وشراءها أصبحا نادرين فإنني واثق من أن كتابة هذا سيجد قبولاً منقطع النظير لأنه سيساعد على زرع الابتسامة في الوجوه التي ملَت التوتر والعبوس.
تأملات شعرية:
يا إلهي...
وردُ أرواحِنا ذابلٌ
والشجيراتُ في باحةِ الدار
ظامئة ذابلهْ
والغيوم التي تكتب الشعر
فوق الهضاب وفوق الجبال
تلاشت جدائلها،
وغدت صفحةُ الأفقِ
باهتةً ناصلهْ.