يتحدّث علماء الفلك عن تلك الثقوب السوداء المنتشرة في مجرات الكون الواسع القادرة على ابتلاع النجوم والشموس والكواكب ضمن متوالية زمانية ومكانية مجهولة الأبعاد، ولأن الأصل في الظواهر الكونية الجسيمة المتضخّمة تجد لها رجع صدىً مؤكداً في الأشكال المجهرية والنانومترية، فإن تلك الثقوب السوداء قد توصلنا إلى معرفة بعض النواميس في كُنه الزمان والمكان، تماماً كما ألهمتنا الشموس والكواكب والأقمار حركة الالكترونات حول نواة الذرة، وكأن تلك الالكترونات بمثابة أقمار تدور حول كوكب، أو كواكب تدور حول شمس، وبالاستتباع تجري «الشمس لمستقر لها» بتقدير من العزيز العليم.
كان ابن خلدون من الرائين لأمر التاريخ والجغرافيا، وقد توقّف في ما سطّره حول تواريخ الأمم والشعوب أمام سلسلة من الظواهر التاريخية المجيّرة على المكان والزمان، واكتشف بعقل وقّاد تلك العبقرية المكانية التي تسم البلدان وتنعكس فيها على الشعوب، فقد وصف أهل مصر اعتباراً لنيل مصر الذي ينساب من الجنوب إلى الشمال بنعومة وسريان غير مقلق، وبالمقابل وصف أهل العراق بنمط سريان نهرهم المنحدر من الشمال إلى الجنوب، مُنذراً بتعرجات وتفريعات لا متناهية، وفيضانات غير متوقعة.
من خلال هذه المقارنة حاول ابن خلدون وصف طبائع سكان مصر والعراق، وهكذا فعل في معرض حديثه عن طباع البشر بعامة، عاقداً مقارنات بين الحضريين وسكان البوادي.
من اللافت في أمر التاريخ أن أوروبا القرون الوسطى كانت واقعة في وهدة تخلُّف وظلام شديدين، وقد كان الدين يوظّف لغير صالح الحياة والتطور، حتى إن الحركات الدينية الظلامية قلبت جوهر السماحة المسيحية العيسوية رأساً على عقب، لتقدم ما يخالف ذلك تماماً، يومها كانت الأندلس العربية الإسلامية قبلة العالم وحاضرة البشرية الراسخة في التسامح وتعايش الأديان، وتقارب الملل والنحل.
دارت الأيام؛ فإذا بنا نقع في ما كانت فيه أوروبا في العصور الوسطى، وبالقابل تقدّم بعض العواصم الأوروبية نماذج فاضلة للتعايش والتنوّع، كما هو الحال في بريطانيا، وعلى سبيل المثال لا الحصر.
هل وقعت الحاضرة العربية الإسلامية العتيدة التي بلغت ذروتها الإبداعية في الأندلس إلى نقطة الوقوع داخل ثقب أسود قدري جاء من تضاعيف التاريخ وغرائب أحواله، وهل من الممكن أن تقع المدن المزدهرة في العالم المعاصر في الثقب الأسود الذي لا تفسير له..؟!.
في التاريخ ثقوب سوداء تبتلع الحواضر والقيم، ونتائج تستعصي على الإدراك، وكأن التاريخ كائن حي يفعل بنا ما يشاء دون إرادة منّا.
Omaraziz105@gmail.com