ليس سرّاً على أحد أن الحديث عن الثورة التي لم تكمل أهدافها؛ أصبح دلالة على المرحلة الجديدة، والعجيب في الأمر أن أولئك الذين لم يصحوا من غيبوبتهم بعد مازالوا يصرّون على أن المنح والمعونات هي شهادة على الاستقلال الوطني، والأدهى من ذلك أن هؤلاء يقارنون الحاضر بالماضي الذي كان أفضل من هذا الحاضر الذي يعاني من نزيف مستمر، ويحيط بالمجتمع إحباط ويأس؛ بل حالة من الاكتئاب الوطني.
ولا أدري كيف يمكن إقناع هؤلاء للخروج من المرحلة الثورية التي تسكن خيالهم المريض إلى مرحلة بناء المؤسسات بهدف تحقيق انطلاقة حقيقية في البلاد.
أعتقد أن أولئك يصعب إقناعهم؛ لكنني على قناعة أن كثيراً من الشباب الذين خرجوا بهدف التغيير وأدركوا أنهم استدرجوا من قبل بعض القوى هم الأقدر على الخروج من الحالة الثورية المزعومة إلى حالة البناء والإصلاح.
ولست بحاجة إلى القول إن هناك مراهنة كبرى على فشل الشباب في المرحلة المقبلة من ذات القوى التي استغلتهم وحاربت بهم وانتصرت لمصالحها باسمهم، نحن أمام مرحلة تم تدمير كل مقوّمات الاستمرار وسوف تترتّب عليها نتائج سياسية ربما تكون شبيهة بأحداث الحصبة، أو الدخول في حالة من الفوضى، والمؤشرات والشواهد واضحة الكهرباء منقطعة، ومحطات البترول مزدحمة بالسيارات، والحروب على «القاعدة» تتسع وتمتد إلى محافظات عديدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الواحد منا يحصل على دبة البترول بشق الأنفس؛ فمن أين تحصل عناصر «القاعدة» على البترول الذي يمكنها من التحرُّك عبر الصحارى والوديان..؟!.
والسؤال الآخر: من الذي يحتضن عناصر «القاعدة» ويوفر لها المأوى الآمن..؟! لذلك أعتقد أن الحرب على «القاعدة» لا يمكن حسمها بواسطة الجيش والأمن مالم يكن هناك سند شعبي.
اليمن تعيش حالة حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أصبحت «القاعدة» تمتلك أسلحة فتّاكة لا يمتلكها سوى الجيش؛ لذلك لابد من إصدار قانون لمكافحة الإرهاب يشمل معاقبة كل من يساند أو يوفّر المأوى أو يتعاون مع «القاعدة».
أريد أن أقول بوضوح إن ما تحقّق على الأرض يشكّل أرضية صالحة لعمل سياسي جاد ينبغي على الأحزاب السياسية أن تحدّد موقفها بشكل صريح تجاه الإرهاب؛ لأن صمتها يعد غطاءً سياسياً للإرهابيين.
وليست في أيدينا ـ في مثل هذه الظروف الراهنة ـ أي أوراق أفضل من ورقة الاحتشاد الشعبي والحزبي لمواجهة الإرهاب كخطوة أساسية ورئيسية لإنجاح الحملة العسكرية على تنظيم «القاعدة» الإرهاب في جوهره قضية أمنية ولها بعد سياسي؛ لذلك لابد من الاصطفاف الشعبي وراء الدولة حتى تكون السبّاقة في التفكير والتخطيط ضد الإرهاب.
إنني أظن ـ وظني صحيح إلى حد كبير ـ في أن هواجس القلق امتدت في اتساع الوطن والإحساس بأن الخطر أكبر من أن يُنظر إليه في إطار مواجهة تنظيم «القاعدة» فقط، ولذلك أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة كل الأحزاب السياسية لكل مكوّنات وركائز الأمن الوطني لكي يبقى بعيداً عن خطر الوقوع تحت رحمة وتصرّفات مجنونة من قبل الإرهابيين.
علينا أن نعترف أن اليمن لم تواجه حالة من العجز بمثل ما هي عليه الآن، حيث الكل يقف موقف المتفرّج دون أن يحرّك ساكناً تجاه ما يجرى وكأننا بلا دولة، ولا أغالي إذا قلت إن هيبة الدولة سقطت في 2011م حتى أصبح البعض منا يشعر بالعجز عن انتزاع حقه في العدالة الاجتماعية أو ملاحقة الفساد.
ولنأخذ أزمة الكهرباء والبترول والماء التي تجتاح بعض المدن الرئيسة دليلاً على واقع العجز، ودليلاً مضافاً على تغيب متعمّد للحلول الصحيحة، الحكومة أصبحت محبطة؛ أهدرت الإمكانات المتاحة وكرّست المنافع المتبادلة لأعضائها..!!.
وليس من المقبول أن يقول أحد إن هذا الواقع المحاط بكل أجواء العجز يمثّل أمراً قدرياً لا مجال للخروج منه بسهولة، فالأمر يحتاج إلى قرار بتشكيل حكومة قدرات تعمل على إعادة الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطن.
لقد تردّدنا كثيراً وتلكأنا طويلاً في اتخاذ القرار السليم لتشكيل الحكومة، والاستمرار في هذا التلكؤ سيوسّع من دائرة الفوضى، لقد آن الوقت لمؤسسة الرئاسة لكي تعيد حساباتها وتصحّح رؤيتها بشيء من الواقعية والوعي.