يمكن القول وبكل ثقة إن المُكوِّن الثقافي التاريخي في العالم العربي كان يقف بالمرصاد للمحاولات العقيمة في استنساخ النماذج الليبرالية والقومية واليسارية الأوروبية، سواء على مستوى الأفكار القومية أم اليسارية، فالأصل في ما ساد ومازال قائماً في العالم العربي درجة عالية من التماس الكهربائي مع ثقافة الماضي التليد، تلك التي وصفها ابن خلدون بروحيّة الرائي الناظر إلى ما يتجاوز الظاهر، ووصفها بالثقافة العصبية القادرة على تدمير الدول، وإعادة إنتاج ذات المتاهة التاريخية كما لو أنها جبرٌ لا مفر منه.
ما جرى على خط النماذج القومية واليسارية ينطبق أيضاً على الاتجاهات الليبرالية التي سرعان ما خَبتْ وانطفأتْ، بالترادف مع سلسلة الانقلابات العسكرية التي طالت شرق وغرب العالم العربي، وحوَّلت الأحزاب والمكوّنات السياسية للتعددية الافتراضية إلى مجرد ديكورات لتجميل الأنظمة العسكرية الأوليغاركية.
حدث هذا الأمر في مصر، والجزائر، واليمن، والصومال، والسودان، وليبيا، وكامل المنظومة العربية التي قدّمت نفسها بوصفها جمهوريات مغايرة للحاكميات الملكية والسلطانية التاريخية، لكنها تكشَّفت تباعاً عن جمهوريات اتوقراطية بامتياز؛ فضاعت الأحلام الطوباوية القومية واليسارية في غياهب التحوّلات التراجيدية، كما انطفأت شعلة الليبراليات البرلمانية التي كانت قبل الانقلابات العسكرية.
وعلى خط المرجعيات الملكية سنجد حالة تملّمُل في اتجاه نماذج الملكيات الدستورية، وخاصة في المغرب والأردن؛ لكن هذه الحالة لا تعدو أن تكون سطحية، وأقصى ما تقدّمه يساوي ما يجري في المغرب من تفعيل ضمني لنظام الولايات الذي يؤدّي إلى شكل من أشكال اللا مركزية الحميدة، لكن نموذجي المغرب والأردن مازالا بعيدين كل البُعد عن مفهوم الملكيات الدستورية في أوروبا؛ ذلك أن المُمْكن الثقافي التاريخي يتأبَّى على هذا المنطق في الانتقال السلس نحو ملكيات مشابهة للبريطانية والإسبانية والهولندية، فتأمّل معي عزيزي القارئ.
Omaraziz105@gmail.com