الحلقة «10»
نواصل معكم هنا التعريف بأقسام الدان ، فنتناول في هنا القسم الثاني منه الدان «الحيقي» والحيَق تعني في لهجتنا « السهول» وتنحدر من اعلي هضبة حضرموت إلى سواحلها. ويُنسب إليها الدان المُنشئ فيها ، ويتكون عادة من المُثني والمثلوث والمربوع ،على إيقاعات حركية سريعة ، ويشتهر به بدو« الحِيَق»
ومثال على ذلك ، قول الشاعر :
لا مات مضنوني لقوا له من غشاء قلبي كفن
دفنوه في صدري لا..لا تدفنونه في الطين .
والقسم الثالث من الدان الحضرمي ، يسمى ب «الهبيش ». وهو مشهور في البادية. ومقاطعه عادة ثنائية « مُثني» وحركته الإيقاعية أسرع من الحيقي ومنه قول الشاعر الكبير حسين بن أبي بكر المحضار :
أنا وخلي تراضينا وقسَّمنا الهويه وخيره
والذي ما تراضوا خلوا بوهم
يشربون العيَق وسيول سمعون .
نأتي هنا لنتناول شيئاً عن علمٍ بارزٍ من أعلام الدان الحضرمي وعميده وهو الشاعر الشهير حداد بن حسن الكاف المولود عام 1907م في مدينة “ تريم “ والمتوفى فيها ، يوم الأحد 16 ربيع أول 1389هـ الموافق الثاني من يونيو عام 1969. من وجهة نظري، هناك اثنان كتبا باستضافة عن عميد الدان حداد . أولهما المؤرخ الكبير الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف ، في كتابه ( الشاعر الغزل حداد بن حسن الكاف ) . وهو من الأقدمين الذين عاصروا عميد الدان ووثقوا تراثه وإبداعه .وثانيهما الباحث القدير الأستاذ جيلاني علوي الكاف . وهو أبرز المحدثين الذين غاصوا في بحور إبداع شاعر الدان وملحنه وأجلوا ما علق بدرره وجواهره من صدأ وشوائب . والمحمود له أن الاثنين شاعران شعبيان ، وعروضيين كذلك ، إلا أن الأخير تخصص في شعر الدان الحضرمي ، بل وألف دواوين من إشعاره . ولا أقل من مثال نضرب به اقتداره وتغزره في أوزان الشعر الشعبي وهو كتابه الشهير بـ (أوزان الشعر الشعبي العامي وقوافيه ) الذي صدر في العام 2012 وكتابه عن الشاعر حداد الكاف (عميد الدان عاشق النغم) .
يقول الأستاذ جيلاني علوي الكاف عن عميد الدان حداد : (حدّاد بن حسن كان له بصمات واضحة في تطوير أشعار الدان وألحانه ، إذ أبدع خلال ما يقارب نصف قرن من الزمان كثيراً من روائع أغنيات الدّان الحضرمي لحناً وشعراً ، مثل : « يا رب سالك تخلّي سرّنا مكتوم» ، و « قال المعنّى بن حسن» و “ حيا ليالي جميله” ،و “طاب السمر قل دان يا بن زين” و غيرها . وعن اطلاع حداد وثقافته يشير إلى ما كتبه عنه المؤرخ / بامطرف في قوله :( كان - حداد - مطّلعاً اطّلاعاً واسعاً ليس في مجال الأشعار و الأغاني المحلية فحسب ، ولكنه كان مطّلعاً على فنون الأدب العربي شعراً ونثراً ومحيطاً بأحوال بعض رجاله السابقين واللاحقين ، وله إلمام حسن باتجاهات النقد الحديث).
ويقول الأستاذ جيلاني : (وفي أشعاره الغزلية كان حداد بن حسن الكاف ــرحمه الله ــ كثيراً ما يؤكد أن مذهبه هو مذهب أهل الشرع والجود ويقصد هنا «المسلك الحميد والابتعاد عن كل ما يخدش الدين والمروءة» كقوله:
عا الوفاء والشرع شوفونا
لأننا من ناس لي يوفون
كان لأشعار عميد الدان وألحانه تأثير واضح ليس في الشعراء الذين عاصروه أو الذين جاءوا بعده فحسب ولكن في عشاق الطرب والمطربين وأهل الفن عامة ، فقد تعلّموا من خلالها كيف يتذوقون لذة معاني الغزل الجميل ، فهذا الشاعر الملحن المرحوم حسين أبوبكر المحضار يعترف لحدّاد بالفضل والجميل حيث قال :
لك فضل ع أهل الفن به لا اليوم لا زلنا ندين
ع الشعر والشعراء وعشاق الطرب والمطربين
ولك عليّه فضل بي مخصوص دون الباقيين
بـذكره لك دائم يلمّا قـدنـي أعظامي طحين
علّمتـني كيـف الغزل يتذوقوه العاشقـين
خليتنا نعرف منين الغث ومنين السمين
وقلت لا شدّيت في شيء عوّض الشدّة بليـن
الشعر ذي ما فيه رقّة ما يـؤثـر ع الضنـين