لاحظ بعض الدارسين والباحثين في موروث الشاعر / سعيد باحريز سمة من سمات «الفأل» ويعني كذلك «التطير» .وهو نوعان حسن الفأل وسؤ الفال . وممن لاحظ ذلك الزميل / مجدي سالم باحمدان في كتابه ( با حريز فارس المدارة) لنقرأ له : إن الفال عند باحريز كان عميقاً لدرجة أن بعض الناس تخاف منه ، ولعل باحريز قد تميز بسؤ الفال ، وعندما سئل عن سبب دورانه أحياناً في المداره وذكر شيء معين ، أجاب : أنه يرى طيراً واقفاً على كتفه وكأنه نذير شؤم) وهو في هذه الحالة محق لأن الفأل هو طائر في الأصل عند الأقدمين
ويورد لنا الزميل الباحث / مجدي باحمدان أمثلة على ذلك منها ( حادثة القصر ) التي وقعت في المكلا في 27 ديسمبر عام 1950 فيقول : قبل أن تحصل تلك الحادثة بسنوات عدة ، تنبئ بها الشاعر سعيد فرج باحريز في أبيات تقشعر منها الأبدان ، قائلاً:
كُــلْ الْبَــــلَاْء تَحْــتِ الْعِمَــاْمِــهْ لِـــيْ عَلَـىْ رَأْسِ الْمُقَـــدَّمْ
إن بَقَــتْ يَـاْ قُطُــبْ قَلْبِـيْ وَإِنْ فَنَــتْ يَـاْ خَيْـرْ تَرْتُــوْبْ
ذِيْ بَغَــتْ وَحْــدِهْ كَبِيْــرِهْ مِـــنْ عِطِــشْ يِشْــرَبْ مِــنِ الْــدَّمْ
وِإنْ قُتِلْ يَخْبِرْ بُوَتْنَاْ لِيْ اَدْفُنُوْاْ فِي الشَّيْخْ يَعْقُوْبْ
وحصل ما كان يخشاه أو ما تنبئ به باحريز ، ووقعت حادثة القصر في ساحة قصر السلطان القعيطي في 27ديسمبر عام 1950م وراح ضحية هذه الحادثة 22 شهيداً من أبناء المكلا الذين طالبوا بتسليم مهام سكرتير الدولة لأحد أبناء الوطن ولكن المستشار البريطاني رفض تعيين سكرتير وطني وأسند المهمة إلى الشيخ القدال وهو سوداني الجنسية وليس من أبناء البلد، ولهذا السبب اندلعت احداث القصر المشئومة وسالت الدماء وشيعت الجنائز إلى مقبرة الشيخ يعقوب.
ومن ناحية أخرى كمثال على الفأل السيئ ، أن الشاعر باحريز تطير من قدوم الإغتيالات السياسية في العهد الشمولي بحضرموت في ذمه للوضع السياسي وبدء عمليات الاغتيالات السياسية قال باحريز معبراً عن ذلك في أكثر من موضع مخاطباً فيصل العطاس بقوله:
وَالْخَيْــرْ مِقْبِــلْ يَاَلْمَحَــاْفُـظْ وَالْبِشَـاْرَهْ بَـاْ تِجِـيْ
إنْ بَشَّـــرُوْكْ النَّــاْسْ وَالْاَ انَــاْ بَطْلَــعْ لَكْ بَشِيْـرْ
وبدأ بعدها بفترة قصيرة مسلسل الاغتيالات السياسية من قبل العناصر السيئة للجبهة القومية في تلك الحقبة الدموية بين الرفاق.
ويرى البعض أن الفأل الحسن لم يغيب عن معطيات شاعرنا سعيد با حريز ويسوق مثالين أولهما : أنه تمنى لأحد أصدقائه ويدعى (أحمد باعلي ) والذي عرف بالكرم والسخاء والتواضع ، تمنى له أمنية سرعان ما تحققت وتغيّر بعدها حال هذا الصديق إلى الأحسن وأصبح من التجار المعروفين في سوق الذهب وفي ذلك يقول باحريز:
رَيْـــتِ الذَّهَـــبْ لِـــيْ فِـــيْ السَّعُـوْدِيِّــهْ مَعَــكْ يَــاْ بَاعْلِــيْ
مِــــنْ أجِـــلْ تِتْوَسَّــــعْ وِتِتْكَــــرَّمْ عَلَــىْ النَّـــاَسْ الزِّيَـــاْن
وثانيهما : إنه عند تكسير (الجابية) وموقعها في دوار المكلا والتي مثلت رمزاً تاريخياً للحارة والمكلا ، قال باحريز بإسلوب ساخر عبّر فيها عن أمنيته لما يجب أن تكون عليه (الجابية) من ترميم وتحسين بدلاً من الهدم ، حيث قال:
يَقْــــــوْلْ بُـــوْسَــــاْلِــــمْ نَظَـــرْتِ الْيَــاْبِيْــهْ
شِفْتَهَـــــــــاْ قَـــــــاْلْ بُـــوْسَـــاْلِــــــمْ عَـــــرُوْسْ
مَلَبَّسِــــــــهْ بِــــــالثِّيَــــــاْبْ الْغَــــــــــاَلِيْــــــهْ
تِفْــــــــــرَحْ الْقَلْـــــبْ وَتِحْيِــــــــي النَّفُــــــــوْسْ
واليوم تحققت أمنيته بعد مضيء زمن طويل من قوله هذا فأعيد بنائها على شكل ( دلة ) مزدانة بألوان بهية تسر الناظرين . وبها يتذكر الأقدمون وشباب اليوم ما قاله هذا الشاعر الفذ في يوم من الأيام .وكان هذا في عهد الأستاذ عبد القادر هلال .
ومن نظرته للمستقبل واستشرافه ما ستكون علي الحال بالنسبة للمواطنين ، قال :
استعجلوا ما تريضوا ولقوا خبب ومسابقـه
وباعوا ا لجربه وقالو الذري ما تلقي سبـول
ومن نشد عالبن قـــــل لــه... قد كلته العالقه
ومن حرق بنه بإيده ايــــــــش عاده با يقول ؟!
وهذا ماهو حاصل اليوم . رحم الله الشاعر الشعبي باحريز.