عمّنا سلطان زيد: الجوهر العقلاني الناضج، والنهج الإنساني الأصيل، والهوية اليمنية الملهمة والمتماسكة على الدوام ..العدني والتعزي والصنعاني في وقت واحد، دون أدنى ميل أو انحراف مناطقي. من ذلك التكوين الوطني الفذ تشكلت جذوره المثمرة ..ذاكرة الرفاق الزاخرة والثاقبة ، والمعلم الكبير في حبه الطاهر للناس “البني آدميين”، عانى قساوة التضحية والمطاردة والزنازين والتهديدات في حلكة الزمن الزفت واستمر ينكر ذاته ويزهو بالأمل .. كان دائماً ينجو، لأنه من تلك الطينة المعتدة والثابتة والمتسقة التي تجبر حتى الأوغاد على الانقشاع أمام اختياراتها الوطنية الوطيدة جداً.. على مدى عقود استمر مثل حمامة صادحة بالهديل وسط حشود وجحافل آكلي الجيف من الجبناء والمنافقين . عاش سبتمبر وأكتوبر وجموح المقاومة الشعبية في الستينيات بكل جوارحه زاخراً بالحلم الكبير، وبالتأكيد من المستحيل أن تعيده أسوأ الظروف إلى المربعات البدائية الأولى التي وقع فيها حفنة من الإمعات ومتذبذبي المواقف. مبكراً كان من أهم النشطاء الرواد المؤسسين لنادي الخريجين ومجلس السلم والتضامن اليمني وفرع منظمة العفو الدولية حيث قام بدور تنويري مشهود على الصعيد المدني حقوقياً ونقابياً رفقة نخبة من الديمقراطيين الأحرار حين كانت الديمقراطية جريمة في حسابات الرجعيين والاستبداديين ، وقبل أن يصبح العمل الحقوقي بؤر فهلوة وفساد وإثراء غير مشروع ،كما يحدث حالياً على سبيل المثال .. فوق ذلك كان أحد أبرز طليعة المنحازين للعدالة الاجتماعية والتوق التقدمي والتحديثي، إذ تربى سياسياً في كنف اتحاد الشعب الديمقراطي الذي تأسس العام 61م ، ولقد شكل الاتحاد وبقية فصائل اليسار الحزب الاشتراكي اليمني نهاية السبعينيات كما هو معروف ، بينما يعد هو الفصيل الماركسي النوعي الذي رفع مؤسسه الخالد- أبو اليسار اليمني- الأستاذ عبد الله با ذيب شعاره الوطني الأشهر قبل الجميع “ من اجل يمن حر ديمقراطي موحد “، فكان سلطان زيد سليل المضامين الأجمل التي تضمنها ذلك الشعار العظيم .على أنه بنبالات جليلة في محيطه الاجتماعي ، كما له أهمية تربوية خصوصية على عدة أجيال باعتباره أحد كوادر المعهد القومي للإدارة العامة الذي تحول اسمه إلى المعهد الوطني للعلوم الإدارية .. جزيل العطاء وسخي الحب ،مع أنه لا يملك جاهاً سوى عفة اليد، صانعاً ملاحم سيرته النقية عبر ترفعه الدائم عن كل إغراء، ومع ذلك لطالما احتضن منزله ذوو الأحلام الساطعة من الغرباء الذين تكللهم اللوعة والوحشة ، كما على هذا المنوال الشهم لا يزال قلبه مفتوحاً لكل حزين ووحيد ليقتسم معه الملح والزاد واللحاف البارد .. ولأنه لا يبدل جلده النزيه والاستثنائي والوفي ، ولأنه لا يتنازل عن حسه المثالي الدافئ مهما كابد ، فإنه المناضل العتيد الذي لم يستسغ أبداً وعلى مدى عقود الدس والوقيعة لرفاقه وأصدقائه وزملائه ، ولذلك من المحال أن يتشوه ويخون ذاته أو يخون اليمن : اليمن التي استمر يصونها في حدقاته كقديس وعارف عميق بخرائط الأيام والتاريخ والجغرافيا !
باختصار: يختلف إذ يختلف معك لكن بشرف وبرجولة .. صادقاً كالرمح، وفارساً غير هياب في كل مواقف السياسة والفكر، لكن الأجمل في معطياته الحياتية انه الأب الذي لا يتكرر ..الأب الخصب والممطر بفحوى القيم والمبادئ والضمير ..الأب القاهر لقحالات الزمن الرديء كما عرفناه .. والد الأعزاء “ماجد ونجران وجهاد “ كجزء من ذلك الإرث الذي يفني ذاته في سبيل المجموع كل لحظة وإسمه سلطان زيد.
حتماً سيبقى حضورك بحجم وطن في أرواحنا يا عم سلطان
fathi_nasr@hotmail.com