مثلت الإصلاحات الاقتصادية والسعرية التي أقرتها حكومة الوفاق وبموافقة جميع الأطراف السياسية خطوة مهمة لتصحيح المسار الاقتصادي ووقف التدهور الذي كان ينذر بانهيار شامل نتيجة عوامل عدة كتب/المحرر السياسي -
مثلت الإصلاحات الاقتصادية والسعرية التي أقرتها حكومة الوفاق وبموافقة جميع الأطراف السياسية خطوة مهمة لتصحيح المسار الاقتصادي ووقف التدهور الذي كان ينذر بانهيار شامل نتيجة عوامل عدة أبرزها تراجع عائدات الحكومة من النفط جراء التفجيرات المتتالية لأنابيب النفط وكذا تراجع الإنتاج النفطي.
كما تضافر مع هذين العاملين الأساسيين، ارتفاع حجم الدعم الحكومي للمشتقات النفطية المستوردة والذي بلغ 3 مليارات دولار خلال الأشهر المنصرمة من العام الجاري،وانخفاض الاستثمارات الأجنبية في اليمن بسبب الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة.
وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية، إذ ارتفع عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستوى قياسي تجاوز تريليون ريال، مع حدوث عجز في الموازين الخارجية كميزان المدفوعات والميزان التجاري، وهو الأمر الذي هدد بانهيار اقتصادي وشيك ما فرض على الحكومة أن تعجل بالإصلاحات الاقتصادية والسعرية باعتبارها أول الخطوات المتاحة لتفادي الانهيار.
ولأن الدعم الموجه لتوفير المشتقات النفطية والذي استنزف حوالي 22 مليار دولار خلال 10 سنوات كان يذهب في أغلبه للأغنياء ولم يستفد منه الفقراء كما أصبح بؤرة للفساد والتهريب وعبئاً على الاقتصاد وعلى موازنة الدولة فقد كان من اللازم على هذه حكومة الوفاق أو على غيرها التدخل لوقفه، مع مراعاة أنها حرصت حالياً على بقاء الدعم وبمبالغ كبيرة للغاز المنزلي كونه الأكثر تأثيرا على الفئات الأفقر في اليمن.
ولاشك أن المعالجات التي وجه الأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي الحكومة لتنفيذها خلال الاجتماع المصغر أمس سيكون لها أثرها في التخفيف من أثر الإصلاحات السعرية على المواطنين خاصة وأنها تستهدف دعم المزارعين وإطلاق العلاوات لموظفي الدولة وإضافة 250 ألف أسرة للرعاية الاجتماعية بالإضافة إلى توجيهاته السابقة باتخاذ إجراءات للتقشف وتنمية الإيرادات.
ولا يخفى على أحد أن هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد لم تكن وليدة اليوم بل إنها مشكلة مزمنة عانى منها اليمن وقد اضطرته إلى تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي في منتصف التسعينيات بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين وبموجبه تم رفع الدعم عن عدد من السلع بما فيها سلع استراتيجية ذات علاقة مباشرة بغذاء الناس ومنها القمح والدقيق والأرز والسكر.
وقد استمرت تلك الإصلاحات في رفع الدعم عن كافة السلع بما فيها المشتقات النفطية والتي تم رفعها أيضا في 2011 إبان الأزمة السياسية إلى 3500 ريال للدبة البنزين قبل أن تعود حكومة الوفاق إلى تخفيض السعر إلى 2500 ريال.
وما يثير الغرابة والسخرية أن نجد اليوم أطرافاً بعينها تتباكى على الفقراء وهي من نهشت عظامهم في الأمس القريب وأثرت على حسابهم، ومن المؤكد أن الشعب بات يعرف حقيقة نواياها السيئة ومن المستحيل أن ينجر لتحقيق مآربها الداعية إلى الفوضى والتخريب.
كما أنه من المهم جداً في هذا السياق أن تراجع جماعات الابتزاز السياسي مواقفها وأن تكف عن مقايضة الإصلاحات السعرية بتحقيق أي مكاسب أنانية ضيقة باعتبار أن مصلحة البلد ستظل فوق مصالح الجميع أكانوا أفراداً أو جماعات أو أحزابا.
ولا بأس أن نذكر الجميع أن معضلة الاقتصاد الوطني سبق وأن استعصى حلها على كل الحكومات السابقة خصوصاً بعد تلقيه ضربات موجعة بدءا من أزمة الخليج وما ترتب عليها من عودة ما يقارب مليوني مغترب وانقطاع المساعدات مرورا بالتكلفة الاقتصادية الباهظة لحرب عام 1994 بالإضافة إلى مشكلات أخرى تتعلق بالاختلال في بنية هيكل الاقتصاد الذي ظل معتمداً بنسبة تتعدى 70 في المائة على مصدر وحيد للدخل مهدد بالنضوب والمتمثل في قطاع النفط.
ولعل هذا يقود للجزم بأن اليمن أخفق طوال العقود الماضية في تنويع هيكل الاقتصاد عبر تنمية قطاعات الصناعات التحويلية والأسماك والتعدين والسياحة باعتبارها من أهم القطاعات الواعدة والبديلة لقطاع النفط، وهو ما أدى إلى تدني مستويات الدخل وارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد، بل هو ما تسبب لاحقاً في دفع الناس للاحتجاج والمطالبة بالتغيير.
ولكل هذه التراكمات يدرك العقلاء أن الحكومة الحالية لا تملك عصا سحرية لحل مشكلات الاقتصاد في وقت قياسي، فضلا عن أن الأوضاع الحالية السياسية والأمنية غير المستقرة تفاقم الأزمة الاقتصادية ولا تساعد على حلها، ما يجعل من مطلب الاصطفاف الوطني الذي دعا إليه الأخ الرئيس هو الحل ليس للمشكلة الاقتصادية فحسب وإنما للمشاكل السياسية والاجتماعية والأمنية مجتمعة.