مأزق اللحظة الراهنة يتمثّل في العنف والإفقار الممنهجين، المجال المعقّد من عدم المسؤولية لدى النُخب في ترشيد الأداء العام المفتقد إلى المسؤولية، أزمات تلو أزمات يعانيها المجتمع متشابكة ومتداخلة فيما بينها، لكن كيف يُعقل أن تقود الثورات والانتفاضات التغييرية في العالم العربي عموماً واليمن بشكل خاص إلى تطوّرات معاكسة، أي إلى تنامي التدهورات..؟!.
في السياق أيضاً، كيف تم إضعاف واضمحلال نوايا التنوير والعدالة الاجتماعية إلى هذا الحد فيما بعد ما اسمي «الربيع العربي»..؟!.
بالتأكيد تحتاج الحركات المدنية من كافة نواحيها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية...إلخ إلى نقد عميق في بُنية عقلها وابتكار قدرات للمعالجات والانفتاح المتسق على هموم الدولة والمجتمع معاً، بدلاً من الإغراق في التشوُّه والانغلاق الذي لا يسهم في تطوّر أداء النُخب، فما بالكم بالأداء العام نفسه..؟!.
والشاهد هو أنه لا ينبغي الاستسلام لخطاب الفساد والاستبداد المتكرّس على مدى عقود، بقدر ما ينبغي العمل الجاد والمكابد من أجل انتشار منزع الإصلاحات والتصحيحات العامة والمبادراتية الخاصة كذلك.
والمعنى أنه دون يقظة القوى المتطلّعة في المجتمع سنستمر جميعاً في دفع فاتورة الغيبوبة الشاملة، فالثابت هو أن الاستسلام لمسار النكوص التاريخي لن يؤدّي إلى انبعاث الرهان الوطني وتحقُّق وعود وأحلام المستقبل الأفضل، وبالتالي لا يُعقل الاستمرار في حالة مأزقية كهذه دون مواصلة اجتراح المخرج الملائم منها.
من هذا المنطلق تحديداً يكون التساؤل العقلاني الوحيد على سبيل المثال كالتالي: أي خبل مأساوي أفضت إليه السنوات الثلاث الأخيرة «نستثني للإنصاف تجربة تونس نظراً لتراكم الوعي البنّاء فيها بخلاف تراكم الوعي المدمّر في بقية بلدان ما سمّي الربيع العربي» ومع ذلك نشدّد على أنه لا مناص من إحياء الأمل وتأسيس البناءات الوطنية المنشودة والناضجة..؟!.
فقط؛ يبقى من الأهمية عدم طمس الضمير الذاتي والذاكرة الجماعية لخطاب التغيير والتجديد، وبالموازاة ضرورة تفعيل مختلف أدوات مجابهات العنف دون تواطؤ معه من أي نوع طبعاً.
ثم إن العنف لن يتقوّض كما ينبغي من غير استنشاط قناعة وهمّة كل قوى المواطنة والتمدُّن السلمية بأن لا أفق له على الإطلاق، وبالتالي فضحه على الدوام دون توقُّف أو تحايل أو فائدة حقيرة مرجوّة من مدخلاته ومخرجاته.
وفي الموازاة أيضاً يتطلّب مأزق الحال بالمحصّلة تنامي مواجهات مختلف الرغبات اللئيمة التي تتلاعب بمصير البسطاء وأبرزها حجج وذرائع مراكز قوى الهيمنة والنفوذ لا شك.
باختصار شديد؛ ستبقى تلك هي متطلبات المستقبل حتماً، لا باعتبارها متطلّبات الحاضر فقط..!!.
fathi_nasr@hotmail.com