شخصياً لا تعنيني قضايا ما يُسمّى بالروافض والنواصب.
لذا أشعر بالأسى جرّاء ما يخلفه تفاقم تخلف هذا الصراع المتأصّل بين السنة والشيعة داخل المجتمع الواحد خصوصاً حين يكون مؤجّجاً بعوامل خارجية خطيرة.. لذلك بقدر المستطاع أحاول فضح منطلقات الكراهية التي تنطلق منها وتبيان أثرها على الذات الوطنية مع احترامي لمنتميها بالطبع.
لكن بمقابل ذلك فإنني احترم أكثر كل من ينتمي لإدانة هذا الوعي العقدي المغشوش غير السوي بالجوهر الديني.
فيما الجوهر الديني كما أفهم يدعو إلى التعايش والتسامح والانفتاح كما لا يفترض به تخريب المجتمعات والأوطان وإعاقتها عن التقدّم مهما كانت الأسباب لأن هذا هو ما يضرب الفكرة الوطنية تماماً ويجعل الولاءات لأمراء الطوائف بدلاً عن الدولة، بل إن الأخطر هو خوض هؤلاء الأمراء حروباً وطنية طائفية بالوكالة.
من هنا فإن ما يعنيني بالذات - ويهم كل مواطن سوي - هو وجود عقد اجتماعي بين أبناء الوطن الواحد ينظّم حرية وحقوق اختيارهم كمواطنين في مسألة الاعتقاد.. يعنيني أن يكونوا سلميين، فلا يجبرون المختلف عنهم بالقوة أو بالإكراه لاتباعهم.. ومهما كان وعيي تجاه ذلك الإرث بأنه متخلّف إلا أن قضايا كهذه هي قضايا صراع أفكار أولاً وأخيراً، بمعنى أن هنالك من سيكون مع أو ضد أو من سيتحيّز لطرف على آخر عقدياً أو سياسياً حتى دون وعي مثلاً خصوصاً في مجتمعات التخلّف كبلادنا في ظل الفساد الكبير الذي أصيبت به ذمم الضمير الوطني.. غير أن هنالك من سيحترم لاشك اختيار الضدين بوعي تام في طور السلمية واللاعنف أساساً.. والمعنى إن كل فكرة مهما بلغت من التدليس أو المغالطة في ادعاء حقيقة الوعي الديني سيبقى الزمن كفيلاً بغربلتها وكشف جوهرها إن كانت تعيق التجاوز الذي يجب أن يتحقق كشرط ضروري لإنجاز وبلوغ التقدم، كما للإنعاش الوطني الذي يليق.
المهم: لنتفق جميعاً على أهمية انبثاق دولة تصون هذا الاختلاف تحت سقفها بشكل عقلاني ملهم وتمنع العنف والعنف المضاد.
دولة تجعل الفرد يفهم ان اختياره مسالة شخصية خاصة به مهما كان هذا الاختيار وان نجاة النسيج المجتمعي هو غايتنا جميعاً بدون استثناء لتبقى غاية البعد العقدي أن يعزّز من قيم السلام والتنوير والتسامح بين أبناء الوطن الواحد لا الاضطهادات والغلبة والإقصاء.
fathi_nasr@hotmail.com