منذ نحو أسبوع تقريباً أثارت إذاعة عدن حواراً صريحاً وبناءً تحدّث فيه المشاركون عن ضرورة استعادة الأراضي والأملاك والعقارات التي نهبها بعض رموز الفساد في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية خلال الفترة المنصرمة، وتوقّف البرنامج ملياً عند ضرورة استعادة المبنى القديم لإذاعة عدن الذي صُرف لأحد قيادات وزارة الإعلام السابقة قبل عدّة أعوام، وأسهب الجميع في التذكير بأهمية استعادته إلى إذاعة عدن بالنظر إلى أهميته التاريخيــة.
ولمـا كـان هـذا الحوار الأثيري قد دار إثر المصادمات العنيفة بين عدد من المتظاهرين وبين حراسة هذا المبنى؛ فقد شدّني طرح أحـد المشاركين في هذا السجال الذي يحسب لإذاعة عدن باعتبار أن هذا المطلب قانوني وعادل؛ ولكن ينبغي التفكير برؤية أوسع من إطار هذا المبنى.
وأعني – كما قال أحد المشاركين – التفكير بضرورة تضافر الجهود من أجل استكمال مسار التسوية السياسية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني القائم على المبادرة الخليجية التي تركز على إعادة بناء الوطن برمّته وعلى أسس واضحة تحفظ وتتيح للجميع مساحة من الحرية والاستقلالية في إطار إقامة الأقاليم انطلاقاً من أن استكمال بناء الوطن على هذا النحو الذي يتيح قدراً من الحرية في اتخاذ القرار داخل الجغرافيا الإقليمية أفضل بكثير من إدارة حرب هامشية وخاسرة على مجرّد مبنى يتيم.
ومع التشديد على ضرورة إعادة كافة الممتلكات والأراضي والعقارات المنهوبة لأصحابها؛ فإن ثمّة من يحاول وسط هذا الطرح الموضوعي الاصطياد في المياه العكرة، وبالتالي تجنيب المعركة عن مسارها الصحيح؛ وذلك في محاولة للفت نظر بعض الأطراف إلى إشكالات جزئية دون النظر إلى سياقات القضية الجنوبية التي لا يمكن اختزالها في هذا المبنى أو تلك الأرضية وإنما في ضرورة المساهمة الجدّية لإنجاح استكمال العملية السياسية وترجمة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبناء الدولة الاتحادية الحديثة التي ستعوض – دون شك- الجميع عن مجمل تلك الاختلالات التي صاحبت قيام الوحدة؛ وذلك من أجل ترسيخ مقوّمات الشراكة الوطنية وإعادة الحقوق المنهوبة إلى أصحابها وكفالة الخصوصية لكل إقليم على حدة.
لذلك فإن أهمية هذا الطرح الموضوعي ينبع من كونه نصيحة جادة لترشيد الخطاب الاستفزازي – سياسياً وإعلامياً - والاتجاه إلى المساهمة الجادة في إعادة بناء الوطن على تلك الأسس بدلاً من إضاعة الوقت في معارك هامشية لن تفيد القضية في شيء.
والخلاصة تتمثّل في ضرورة أن تتفتق الذاكرة الوطنية عن وعي جمعي بأهمية البحث عن الحلول الموضوعية للمشاكل المنتصبة وليس ابتسار الحقائق في جزئيات شكلية وبحيث يتمكّن الجميع من بناء مداميك الوطن، فهل تأخذ هذه النصيحة حقّها من الاستيعاب الواعي لمجمل المخاطر التي تحدق باليمن من كل حدب وصوب، أم أننا سنبقى مجرد وعاء لترديد ما يضمره الآخر دون أن ندرك ذلك..؟!.