سألني أحدهم عن معنى التقدم الذي يتحدث عنه الجميع في هذا البلد، لكن المواطن لا يعرف معناه، بسبب عدم ملامسته له، فقلت له: التقدم هو مجموعة من القيم المرتبطة بالحداثة والمعاصرة، والعمل الشاق، والتجديد، ليس فقط في السياسة وإنما في الرؤية الوطنية وكيفية تعبئة موارد البلاد البشرية والمادية.
قال لي: معنى هذا أن القوى السياسية جميعها بعيدة كل البعد عن فكرة التقدم.
قلت له: بالطبع، فنقطة البداية لدى كل طرف من الأطراف السياسية في اليمن هي تدمير الخصم حتى لو استدعى ذلك تدمير الجيش والأمن،وأقولها صراحة إن من يتحدث عن السلم والشراكة فهو يتحدث عن الحرب وإقصاء الآخر.
فاليمنيون مغرمون بالمضامين وأبعد ما يكونون عن الإجراءات، فقد وقّعوا على وثيقة «العهد والاتفاق» ثم رأينا أنه لا عهد ولا اتفاق، فكانت حرباً مزقت النسيج الوطني،وبعد ذلك كانت المبادرة الخليجية والمرحلة الانتقالية، ولكننا لم ننتقل بعد من المربع الأول، ثم اتفاق السلم والشراكة، ولم نرسِ سلاماً ولا حققنا شراكة، وقبل ذلك كان مؤتمر الحوار ولم تتحاور القوى السياسية طوال فترة التسعة الأشهر.
ولست بحاجة إلى القول إن المستقبل لن تشكله جماعة الحوثي، كما لم تشكله من قبل جماعة الإخوان، فهاتان جماعتان تشدانا إلى الخلف وإلى الماضي لتبعدانا عن المستقبل.. هناك سباق على تدمير الجيش والأمن، ومثلما دفعت جماعة الإخوان بمجاميع من مليشياتها إلى داخل المؤسسة الأمنية والجيش، تريد جماعة الحوثي الدفع بمجاميع من مليشياتها إلى هاتين المؤسستين، وهنا نلمس التناقض في الطرح، حيث الحديث عن الدولة الوطنية وعن السلم، في حين يتم التأسيس خارجاً عن البعد الوطني وعن السلم الاجتماعي.
هناك تناقض لا يحله إلا توافق سياسي حقيقي يقوم على المصالحة وعلى العدالة السياسية والعدالة الاجتماعية، بدلاً عن العدالة الانتقالية التي تفتح ملفات جديدة للثأر وإراقة الدماء وهدر للطاقات والمال، وإعاقة للتنمية.. تحتاج القوى السياسية إلى رؤية وطنية صادقة تجعلهاـ أي ـ هذه القوى السياسية تقف ما بين هنا حيث الواقع، وهناك حيث المستقبل الذي تستحقه اليمن.
لنخرج إذن من الماضي، ماضي العودة إلى زمن الخلفاء وزمن الحسن والحسين وزمن عبدالناصر وميشل عفلق، وصدام حسين، وماركس، وإبراهيم الحمدي، وعلي عبدالله صالح، فنحن لا نحتاج إلى هزائم جديدة.
نحن أمام قوى سياسية، الماضي حاضر وبقوة وهو مليء بالذنوب والمعاصي.
وأي حديث عن المستقبل يتطلب من صاحبه أن يسلم الأمر لمؤسسة الجيش والأمن، لمحاربة الإرهاب والتطرف من أي طرف كان، دون تغذية مصطلحات كالدواعش أو الروافض التي تؤسس لصراع طائفي.
فلنسلّم الأمر للجيش ونجعله حاضناً للوطنية والتعبير عنها بدلاً عن الزج بالمليشيات داخل هذه المؤسسة، حتى نبعد عن اليمن شبح وخطر الانقسام والحرب الأهلية.
فاليمن كانت تستحق أكثر مما جرى لها بعد الوحدة الوطنية، ما تستحقه اليمن ليس الحراك الانفصالي ولا المليشيات التي تسقط المحافظات، تستحق اليمن منا جميعاً أن ندخلها في سباق مع الأمم لنوصلها إلى مكانة تكفل لها التقدم المستمر والمستدام.
لنتصالح حتى نوقف حمام الدم ومشاريع الموت، ونحل محلها مشاريع الحياة والتنمية والاستقرار، فالدخول في سباق المستقبل ليس في إقامة الخلافة الإسلامية ولا في استعادة مظلومية الحسين، ولا بالأيديولوجيات المغلقة على ذاتها تجتر الماضي وتخاصم المستقبل.والطريق إلى ذلك يكون في التفكير بالتنمية، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
لقد كتبت كثيراً وقلت مراراً وتكرارا،ً لقد آن الأوان للكف عن خداع الشعب وأنه آن الأوان لكي تكون ملكية أرض اليمن للشعب اليمني وليس للحكومة أو البيروقراطية ولابد من إعادة توزيع الموارد على المحافظات المختلفة وأنه آن الأوان لكي يكون النظام السياسي معبراً عن الشعب اليمني بتركيبته الاجتماعية وليس بتركيبته النخبوية.. مطلوب من القوى السياسية أن تقدم رؤى تنموية في مختلف المجالات، وإذا كانت غير قادرة فلتترك الأمور للجيل الشاب القادر على التطلع إلى مستقبل واضح المعالم.
أخيراً أقول لأولئك الذين يغلقون المحلات في عدن وحضرموت: إن حل المشكلة لا يكون في المظاهرات ولا في العصيان الذي لا يؤثر إلى على المواطن نفسه، الحل يكمن في إقامة نظام سياسي يحترم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.