أن يبلغ التردي الأمني في اليمن حدا يؤدي إلى قيام دول كبيرة كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا بتعليق أعمالها في صنعاء، وسحب العاملين في سفاراتها وإغلاقها ودعوة رعاياها إلى المغادرة، فذلك أمر يفترض أن يوضع بعين الاعتبار لدى المتحاورين حاليا في اليمن، من أجل إنقاذ البلاد من الأزمة التي تتصاعد تدريجيا.
من حق تلك الدول وغيرها أن تعمل على حماية بعثاتها الدبلوماسية، فالأوضاع التي لا تبشر بانفراج في اليمن دعتها إلى التصرف تفاديا لعواقب سيئة متوقعة، فاحتمال تعرض البعثات لتهديدات من أي نوع موجود نتيجة الفوضى التي قادت الجماعة الحوثية اليمن إليها عبر الانقلاب على الشرعية وحل البرلمان وفرض إملاءاتها على القوى والتيارات اليمنية.
لذلك على المبعوث الأممي جمال بنعمر الذي عاد إلى اليمن بعد أن أكمل الحوثيون مراحل انقلابهم نهاية الأسبوع الماضي، أن يدرك أن قبول الحوثيين بالعودة إلى الحوار ليس إلا مناورة منهم من أجل مزيد من المكاسب، لعل في مقدمتها الضغط على التيارات الأخرى للقبول ببعض قراراتهم الأخيرة فيما أطلقوا عليه مسمى "الإعلان الدستوري"، الذي يسعون لإجبار المكونات السياسية اليمنية على العمل به، كي يوجدوا مبررا لا يبقيهم وحدهم في مواجهة الجميع.
ومن خلال مباحثات أمس وأول من أمس، ما بين الحوثيين وباقي القوى السياسية في حضور المبعوث الأممي، يمكن لأي متابع أن يستشف أن الصورة لم تتغير.
فالحوثيون يرفضون التنازل في النقاط الخلافية بحسب الأنباء الواردة، خاصة مسألة حل البرلمان على الرغم مما قيل عن "اتفاق مبدئي يُبقي على البرلمان ويوسع مجلس الشورى"، لكن الواضح أنهم تراجعوا كعادتهم في نقض الاتفاقات والنكوث بالتعهدات، ولأن الكتل البرلمانية فهمت المغزى من دعوة الجماعة الحوثية للانضمام إلى ما يسمى المجلس الوطني لوضع البرلمانيين تحت وصاية الحوثيين، فقد رفضت ذلك، إدراكا منها لخطورة الخضوع المطلق للحوثيين، وسبق لعدد منها أن بينت موقفها من الأحداث الأخيرة، عادّة أن الإعلان الدستوري يزيد من حدة الأزمة ويسهم في عزلة اليمن إقليميا ودوليا.
وعليه، فإن استمرار الحوار مع الحوثيين سيكون عبثا لا طائل منه، إن لم يعلنوا بوضوح أنهم تراجعوا عن إعلانهم الدستوري بكامله، أما أن ينسف الحوثيون مخرجات الحوار الوطني ليصبح الحوار حول بنود الإعلان الجديد، فذلك عبث باليمن وشعبه ومستقبله.