لماذا نتعصّب..؟! يحدث التعصُّب حين يضيق أفق التسامح، ويتسع أفق التسامح حينما لا نتمحور حول رؤيتنا التعصبية المغلقة؛ على أن التعصب هو مشكلة العقل المنفعل عموماً، وبالتأكيد؛ كل متعصّب لا يعوّل عليه، فالتعصب يأتي ويترسّخ نتيجة فهم خاطئ للذات والآخر.
والثابت أنه لا يمكن الارتقاء بمجتمعات التعصب دون فضح تنويري واعٍ ومسؤول لكل المفاتن الزائفة التي يغذّيها وعي التعصب نفسه.
وبما أن التعصُّب فكرة تتحوّل إلى سلوك؛ يبدو من الطبيعي أن يكون العنف نتيجتها؛ ثم حين ينتشر العنف يصبح من الصعب إشاعة مفهوم التعايش السلمي بين المواطنين.
والثابت أن المتعصبين هم ضحايا يقينياتهم الواهمة؛ بينما يعتبر التطرُّف الديني هو أقوى أنواع التعصُّب انتشاراً ودماراً وتغذية للكراهيات للأسف، فالمتعصبون ينطلقون من عقدة نفسية وفكرية عميقة ومتشنّجة ومهووسة بامتلاك الحقيقة.
المتعصبون دوغمائيون، ولا يمكن أن يتقبّلوا قيمة النقد الذاتي وتقييم التجربة إلا بصعوبة بالغة وبشكل نادر ما يعيق تطوّر المجتمعات والدول.
المتعصبون شموليون؛ إذ لا يمكن للعقل الديمقراطي الفاعل أن يتيح مجالاً لتنمية آفة التعصب، المتعصبون يتهافتون للامتيازات اللا مشروعة غالباً حتى وإن كلّفهم ذلك دمار التجانسات الوطنية في المجتمعات والدول..!!.
المتعصبون نزقون بلا عقلانية، خصوصاً وهم يتملّقون ويؤجّجون ويستغلّون دائماً غرائز الهياج الجماعية لدى الجماهير المتخلّفة التي هي الوقود المثالي للتعصب، كذلك ـ بحسب خبراء التربية الحديثة ـ يصعب على الأطفال الذين تجذّرت فيهم هذه الآفة التعايش مستقبلاً.
وكما نعرف: يولد الأطفال دون تعصبهم، إلا أن خبراء التربية يؤكدون أن التعصب يعتبر نتيجة مباشرة لعملية التنشئة الاجتماعية السلبية؛ حيث تتراكم القيم والمواقف المحدّدة سلفاً تجاه الأشياء والأفعال والأفكار والأشخاص لتتفاعل فيما بينها شيئاً فشيئاً وتشكّل نسقاً من الأفكار والاتجاهات والمعتقدات المتعصّبة. في حين يتجلّى ذلك كلما اضمحلّت القيم والمواقف الإيجابية للانفتاح والجدل والمحبّة واحترام الحق في الاختلاف في عملية التنشئة طبعاً.
لكن الأسوأ في مسألة التعصب هو «تعصب الضحيّة» حين تريد أن يتلبّسها تعصّبُ الجلاد بالمقابل..!!.
fathi_nasr@hotmail.com