أتيحت للرئيس هادي فرصة تاريخية وزمن طويل نسبياً ليبني الدولة وليكون مؤسس لليمن الجديد وللجمهورية الثانية، لكن للأسف فقد فشل فشلاً ذريعاً ومدوياً، واستمرار بعض التيارات والأحزاب في المراهنة عليه كارثة بكل المقاييس.
بعد ما حدث بالأمس لمعسكر القوات الخاصة "الأمن المركزي" في عدن من نهب حتى للأبواب وأسلاك الكهرباء إضافة الى ما حصل في حوطة لحج من ذبح لعشرات الجنود على يد مجموعات مسلحة ونهب معسكرهم لا يمكن الوثوق بالرئيس هادي مطلقاً.
فقد أثبتت تلك الأحداث أن هادي لا يسيطر على مسرح العمليات وأن المجموعات المسلحة تستخدمه وشرعيته كغطاء، حتى اللجان الشعبية التي يمولها خارجه عن سيطرته عملياً وان كانت ستبقى مرحلياً محتاجة اليه حتى تتمكن.
***
أثبتت أحداث عدن ولحج أيضاً أن المشكلة لم تكن مع عبدالحافظ السقاف، ولو كانت كذلك لقلنا إنه يستحق ما حصل له على اعتباره تمرد على رئيس الجمهورية، لكن من خلال متابعة حال الوحدات الأمنية والعسكرية الأخرى التي لم تتمرد، وكيف ذُبح أفرادها ونهبت معسكراتها، ثبت أن المخطط أبعد من عبدالحافظ السقاف وأن شرعية هادي ما هي الا غطاء لتحرك تلك المجموعات التي تستهدف تدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة في الجنوب لتُعلن دولتها –أو دويلاتها- الخاصة على أنقاضها.
اعرف أن هادي طيب وغير دموي ولا يتعامل مع القاعدة وليس شغوفاً بالفساد المالي، ومن خلال تسجيلاته التي نشرت مع بن مبارك يظهر كم هو طيب وبسيط وكم هو محب لليمن وللوحدة ومقتنع بأن نظام الأقاليم سيكون جيداً، لكنه لا يملك حنكة سياسية ولا مشروع واضح.
استخدمه صالح كنائب لعقدين تقريباً دون أن يكون له أي تأثير، واستفاد أنصار الله من ضعفه وعجزه في صنعاء حتى تمكنوا منها، وأستخدمه أقاربه وأبناء منطقته للثراء غير المشروع وتولي أهم المناصب، والآن يستخدم من مجموعات مسلحة ستستحوذ على الكثير من المناطق في الجنوب قريباً.
***
هادي كالمغناطسي يجذب المجموعات المسلحة أينما ذهب، ويدمر بسياساته ما تبقى من مؤسسات الدولة وبالأخص الأمنية والعسكرية، هكذا كان في الشمال وهكذا سيكون لا محالة في الجنوب.
لا مستقبل لليمن مع هادي لأنه جزء من الماضي، ماضي أحداث يناير 86م، وماضي غزوة عدن 94م، وماضي عمله مع صالح لعشرين عاماً، لا مستقبل حتى للجنوب مع هادي، فهو جزء من المشكلة ولن يكون أبداً جزء من الحل، فشعبيته في الشمال لا تزال على قلتها أكبر بكثير من شعبيته في الجنوب، بل إن شعبيته في تعز مثلاً أكثر من شعبيته في أبين مسقط رأسه.
أعتقد أن هادي يمكن أن يختم تاريخه بشكل مشرف إذا اصدر قراراً جمهورياً يعين بموجبه اللواء محمود الصبيحي نائباً لرئيس الجمهورية وبعدها يعلن هادي استقالته ويسلم مقاليد السلطة لنائبه.
***
الصبيحي يحظى باحترام محلي واقليمي ودولي، كما أنه معروف بنزاهته، إضافة الى أن شخصيته القوية ستمنع أقاربه وبني منطقته من إدارة البلد والمال العام من خلف ظهرة كما هو حال هادي عندما كان في أوج سلطته.
الصبيحي صاحب كلمة وتثق فيه مختلف الأطراف، ويمكن أن يوحد الجنوبيين لمواجهة الإرهاب ومنع ما تبقى من مؤسسات الدولة من الانهيار في الجنوب، ويمكن أن يقود معركة استعادة هيبة الدولة في المحافظات الجنوبية.
***
الصبيحي في الجنوب وأنصار الله في الشمال بالشراكة مع القوى السياسية يمكنهم أن يجدوا حلاً للقضية الجنوبية ويكون مدخلاً لحل الأزمة اليمنية بشكل عام، اما عبر تصحيح مسار الوحدة عبر بناء الدولة التي تضمن حقوق الجميع وتؤسس لتبادل سلمي للسلطة وتوزيع عادل للثروة، أو عبر فك ارتباط بشكل آمن.
ليس عندي مُشكلة من انفصال الجنوب أو فك ارتباطه بالشمال، عندي مشكلة من أن يتحول الجنوب الى بؤرة ومكان آمن للتنظيمات والحركات والمجموعات الارهابية التي ستعبث به وتنطلق منه للعبث بأمن الشمال بل وأمن المنطقة برمتها.
فهل يفعلها هادي ويختم مشواره السياسي بقرار حكيم؟ هل سيعين هادي الصبيحي نائباً له ويسلمه مقاليد السلطة ويعلن استقالته؟، ان لم يفعل ستكون نهايته محزنة ومخزية لا محالة، هل من عاقل بجانب الرئيس ينصحه بذلك قبل فوات الأوان؟.
صحيفة الأولى"
albkyty@gmail.com