ربما أصبح من العسير علينا، في هذه الرحلة القاتمة من تاريخ الأمة العربية أن نتساءل عما يحيط بنا وعما يدمر حياتنا كلها من الألف إلى الياء. أن نتساءل ماذا نريد؟ وماذا يراد بنا؟ ماذا تبقى كي نفعله لنواجه الآخرين أو لكي نحرجهم؟
لقد أصبح السؤال مهماً، لكن لا مكان له في الحياة العربية الراهنة رغم وجود هذا الكم الهائل من وسائل الاعلام والتواصل التي من شأنها أن تشجع على التساؤل، وان تفتح نوافذها لاستقبال أسئلة الناس وشكاواهم المحشورة في الصدور والواقفة في الحناجر، وما يترتب على احتباس الأسئلة الفردية من احباط وشعور باليأس واللاجدوى.
إن اتاحة الفرصة عبر أية وسيلة إعلامية لإطلاق الأسئلة السجينة في الصدور والأفواه ويشكل حالة من التنفيس بغض النظر عن وجود الجواب المناسب أو عدم وجودة. يكفي أن نسأل وأن يجد سؤالنا طريقه إلى المؤثرين والفاعلين لا يسمعه من الناس العاديين الذين يكتمون اسئلتهم في صدورهم خوفاً وهلعاً.
والسؤال -وفقاً للقواعد الفكرية الصحيحة – أهم من الجواب لأنه يفتح آفاقا للتفكير وتبادل الآراء وإعادة النظر في الأشياء. وما أحوجنا في هذه المرحلة وفي غيرها من المراحل إلى إطلاق أسراب من الأسئلة التي تضج بها الحياة وتضيق بها الصدور، وفي امكان بعض التساؤلات حتى البسيط منها والعادي والذي يطلقه رجل الشارع في براءة وتلقائية أن تشكّل مدخلاً إلى حلول لم يكن في وسع الناظرين من أعلى تصورها أو الحدس بها. وميزة هذا النوع من الأسئلة أنها تأتي خالية من التنظير وتنطلق من قلب الواقع نفسه وتتجه صوب المستقبل أكثر من تمحورها حول الحاضر. وفي بعضها تلخيص وتحديد للمشكلات الراهنة وما ينتج عنها من هموم وتراكمات تتصاعد بمرور الأيام.
ومنذ فترة لفت انتباهي بشدة تعبير عميق ودقيق أطلقة أحد الكتاب العرب المعروفين، يهجو فيه النوع الغالب من الإعلام في الوطن العربي جاء فيه: "إن الإعلام مخلوق أساساً لوأد الأسئلة لا لطرحها والإجابة عليها." وهو قول جدير بالتأمل ولمواجهة هذا النوع الهدام من الإعلام الذي عمل لسنوات طويلة على كبت مشاعر الناس وإبعادهم عن معرفة الحقائق اتي تمكنهم من فهم الأسباب التي أوصلت حياتهم وحياة بلدانهم إلى هذا المستوى من التعاسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولمعرفة الأسباب التي جعلت الأقطار العربية تعود إلى الخلف عشرات السنين بعد أن كانت قد بدأت تكتشف طريقها نحو الحياة الجديدة بكل ما حفلت به من قيم العدل والمساواة والاحتكام إلى الانتخابات الدورية وصناديق الاقتراع.
هناك دوماً أسئلة يريد الناس أن يطرحوها في انتظار أجوبة محددة، وأسئلة أخرى لا ينتظرون أية إجابة عليها يكفي أنها وجدت طريقها إلى التنفس بحرية والتجول في فضاء ما ، والسؤال في حد ذاته مهما كان قاسيا وعنيفاً هو البديل عن الفعل المزعج والمؤلم ، وأن نسمع من المواطنين أسئلتهم واستفساراتهم خير من أن نستمع إليها وقد تحولت إلى أفعال جماهيرية مدمرة كما حدث في أكثر من مكان في الوطن العربي والعالم. دعوا الناس يسألون ويخرجوا من دائرة الصمت التي تقتل أوقاتهم وتبدد أحلامهم.