جاء في البخاري: (أن رجلان من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ).. فذكر النسب أو الوطن على سبيل الإفتخار والتكبر على الآخر من دعاوى الجاهلية التي أبطلها الإسلام.. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا أبيض على أسود ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب)..
إن ما يحدث هذه الايام في مدينة عدن العزيزة والغالية على قلوبنا جميعا، ليدمي القلب، ويدمع العين.. فعدن عاصمة الشطر الجنوبي من الوطن -سابقا- والعاصمة الاقتصادية ليمن الوحدة، جديرة بأن نجعلها قبلة للتواصل والالتقاء، لا مكانا لتصفية الحسابات، وادخال الوطن في فوضى عارمة، لا يستفيد منها الا ذوي النفوس المريضة.
إن نقل الصراع السياسي والحزبي والمذهبي والسلالي والمناطقي، الى حاضرة اليمن وأجمل مدنها، ليدعونا جميعا ان نقف في وجه من يريد أن تكون عدن منطلقا لحرب طاحنة بين اليمنيين.. ولن يكون ذلك، لأن اخوتنا في الجنوب عامة وعدن على وجه الخصوص يعلمون علم اليقين، من هي الجهة المستفيدة من إذكاء مثل هذه النعرات والدعوات، التي تفسد الود وتصنع الشحناء والبغضاء بين نفوس المواطنين.
شهدت صلاة الجمعة بالجامع الكبير بمدينة الحديدة، وخلال خطبتيها، أكد الشيخ عبد الرحمن مكرم -إمام وخطيب الجامع الكبير- أن الوطن بحاجة الى تلاحم ابناءه خلف قيادته السياسية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي -رئيس الجمهورية- داعيا الى نبذ العنف، وتغليب مصلحة المواطنين، والابتعاد عن ترويع الامنين، وازهاق الانفس، وسلب المال الخاص، وتدمير الممتلكات العامة.. نعم ان ما يحدث في عدة مناطق من يمننا الحبيب هو مخطط دبر بليل، يراد منه ادخال البلاد في دوامة من الصراعات المناطقية والمذهبية، حتى لا تتفرغ للحوار وتغيير الوضع نحو الافضل، وحتى لا تسعد نفسيا بذكرى اول تغيير سلمي للسلطة.
عدن الامنة المطمئنة لم ولن تكون ملاذا امنا للصراع ايا كان نوعه، وايا كانوا صانعيه، فمدينة الجمال ستلفظ مثل هؤلاء، واهلها الطيبون الذين جبلوا على محبة اخوانهم سينبذون اصحاب المشاريع التأزمية، وستخرج عدن بعد ما حصل فيها خلال الايام الماضية -وهي وأهلها- أكثر قوة وأشد بأسا، لتظل عاصمة اقتصادية لليمن الواحد، ولمَ لا تكون عاصمة سياسية، فهي مؤهلة لأن تكون عاصمة للجمهورية اليمنية.
إن من ارادوا ذات يوم تحويل عدن الى مقبرة كبيرة، هاهم اليوم يعودون من جديد، علهم يفلحون فيما عجزوا عن بالامس، ولكن هيهات، فشعب واع ومثقف كأهلنا في الجنوب، يدرك جيدا أن هناك من يريد ان يجعله وقودا لنار لن تحرق بإذن الله الا من أشعلها فقط.
كلما اقتربنا من الالتقاء والحوار والتفاهم، كلما جاء المرجفون، ليوقدوا نار الفتنة من جديد.. لأنهم يدركون أن قضية اهلنا في الجنوب باتت محل اهتمام الداخل والخارج، وان حلها العادل -تحت سقف الوحدة المباركة- حاصل لا محالة.. لهذا تراهم يصطنعون الاحداث المفتعلة التي تثير الناس وتحدث الصدام، وتزهق الارواح البريئة، ليقينهم ان الدماء متى سالت استعصى الحل على العقلاء.
دماء اليمنيين في كل مكان رخيصة في مخطط هؤلاء -وهي غالية في نفوسنا- وسيفعلون كل شيئ قصد الوصول الى مبتغاهم.. ولكنهم اضحوا مفضوحين، ولن ينخدع الاخرون بحيلهم لا في الداخل ولا في الخارج.. ما نتمناه من إخوتنا في عدن خاصة وبقية المدن الجنوبية أن يفوتوا عليهم ما يريدون، فعصا المجتمع الدولي ستطالهم ان عاجلا ام آجلا.
ما كان يجدر بأي فعالية ان تقام في عدن -وإن كان ظاهرها تأييد لرئيس الجمهورية- طالما وهم يعلمون حساسية الظرف والمكان والانسان، فهذا الثلاثي كان كفيلا لأن يتم الغاءها، ولكن مشعلي الفتن لم يستمعوا حتى لخطابات الاخ الرئيس الداعية الى عدم الاحتفال، والتوجه نحو العمل البنّاء، لا نحو حمل معول الهدم وقتل النساء والاطفال والامنين... نسأل الله ان يتغمد برحمته ارواح الشهداء الذين اغتالتهم يد الغدر في عدن، وان يجعلهم وجميع اليمنيين الذين سقطوا في الازمة في فردوسه الاعظم.. وان يجنب يمننا عامة وعدننا على وجه الخصوص كل شر.. آمين اللهم آمين.
- أستاذ مساعد بجامعة البيضاء: