يطل علينا العام الميلادي الجديد 2010م مشفوعا بكثير من الأمنيات والتطلعات في أن يكون عام خير وسؤدد واستقرار، تتعزز فيه قدرات الشعب اليمني من الإنجازات والمكاسب والتحولات التنموية والاقتصادية والديمقراطية والاجتماعية، التي تمكن هذا الشعب من مواصلة مسيرته المظفرة في ظل قيادته الحكيمة بزعامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئىس الجمهورية، نحو المستقبل الأفضل والغد الأكثر إشراقا.
يحدونا كل هذا التفاؤل بالعام الجديد، بعد أن ودعنا العام المنتهي 2009م، الذي برزت فيه الكثير من التحديات والظروف والأحداث المؤثرة، التي وصفها بعض المحللين والمراقبين بأنها الأشد ضراوة في تاريخ اليمن المعاصر، لكونها من النوع الحاد الذي لا يقوى على تحمل ضغوطه بلد مثل اليمن يكافح من أجل التغلب على البطالة والفقر، وتجاوز موروثات التخلف، التي ورثها من عهود الحكم الإمامي الكهنوتي والاستعمار.
وقد فات على هؤلاء المحللين الذين بنوا تقديراتهم على رؤية يطغى عليها التنظير، أن الشعب اليمني قد برهن في أكثر من محطة أن الأزمات والشدائد والمحن لا تهزه ولا تضعفه وإنما تزيده صلابة واقتدارا، وإصرارا على مغالبة الانكسارات والمضي في الطريق الذي رسمه لنفسه.
وتلك حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد، فقد واجهت اليمن العديد من العواصف والأنواء والتحديات والأخطار التي حملت من الصعوبة والتعقيد ما يفوق تحديات اليوم وإشكالياته، ومن يراهن على الزوابع القائمة لاسقاط اليمن تحت وطأة الفوضى لا يعرف الشعب اليمني الذي صقلته التجارب والدروس إلى درجة صار فيها قادرا على كسب معاركه وخياراته من منطلق الاقتدار والثقة بالنفس وهو الرهان الذي نجد فيه دائما عنصر الأمان والاطمئنان، والأساس الذي يتكئ عليه وهو يدلف عاماً جديداً بآمال عراض في أن إشراقة أي فجر جديد لا تصنع نفسها ولا تأتي بضربة حظ أو بمحض صدفة عابرة، وإنما تصنعها إرادة الإنسان التي هي من إرادة الله سبحانه وتعالى، الذي أودع في خلقه مكنونات الحياة ذاتها.
وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، سنجد أن قدرة هذا الشعب هي من تتجلى في أنصع صورة في مواجهته اليوم لتحديات عدة في ذات اللحظة، وبقدراته وإمكانياته الذاتية المعروفة والتي لا يجهلها أحد. وهي تحديات لو حامت حول بلد اخر غيره لعصفت به وألقت به إلى مهاوي الهلاك.
إذ أنه وباستعراض سريع لما تواجهه اليمن من دسائس ومؤامرات وأحقاد واستهدافات، سنجد أنها تتداخل وتتشابك في تداعيات فتنة التمرد والتخريب التي أشعلها ما تبقى من فلول الإمامة الكهنوتية من جديد، العام المنصرم، في محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان عبر بوابة الإفساد في الأرض وقطع الطرق الآمنة وقتل النفس التي حرم الله وترويع الآمنين ونهب الممتلكات الخاصة والعامة، وكذا في تلك الممارسات الإجرامية لعناصر انفصالية تحلم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء من بوابة إشاعة الفوضى وإثارة النعرات والفتن والاعتداء على المواطنين واستباحة دمائهم، متخذة من التحالف مع عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي وسيلة لتعميم مسلكها القبيح ونزعتها الكريهة.
وإلى جانب كل هذا وذاك ظلت معركتنا مع الإرهاب وتنظيم القاعدة مفتوحة على مصراعيها، وهي المعركة التي تجلت آخر شواهدها في العمليات الاستباقية النوعية، التي نفذتها أجهزتنا الأمنية بنجاح منقطع النظير في أرحب وأمانة العاصمة وأبين وشبوة ومديرية باجل في الحديدة. وإذا مازدنا على ذلك، تبرز التأثيرات السلبية التي ألقت بها الأزمة الاقتصادية العالمية، وانخفاض معدلات الانتاج النفطي لبلادنا على الوضع الاقتصادي، سنتبين بالفعل طبيعة ما يتميز به الشعب اليمني الذي استطاع الصمود في وجه كل هذه التحديات.
نقول ذلك وما تزال تلك التحديات تلقي بظلالها على المشهد الراهن، إلا أننا على ثقة بالغة بأن كل العواصف ستتلاشى وتتهاوى أمام عزيمة الشعب اليمني، الذي يسطر اليوم أنصع صفحات التلاحم الوطني في مجابهة الفتن والأزمات وأعمال الإرهاب التي تقترفها بعض العناصر الجاحدة والضالة والمنحرفة والمتطرفة.
ومع بداية العام الجديد وحتى يظل هذا الشعب جديرا بكل هذه الصفات فإنه مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانصهار في اصطفاف وطني فاعل ومعالجة قضايا الاختلاف والتباين في الرؤى والاجتهادات باعتماد أسلوب الحوار، باعتبار أن الاختلاف في الرأي أمر بديهي في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية، مسترشدا بالثوابت والمبادئ التي ارتضاها لنفسه وأولها حب الوطن والولاء له دون سواه.
إذ لا يمكن للوطنية أن تجد مضمونها الجوهري في الذات الانتهازية والأنانية التي تبني مواقفها على الحسابات الشخصية والمصالح الضيقة، فالوطنية صدق وإخلاص وتضحية وإيثار والانتهازية سلوك مرفوض أخلاقيا ووطنيا ودينيا.