ورد في الأثر عن سيد البشر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قصة رجل اشترى من آخر عقارا بثمن معلوم وحين استلم البائع الثمن و تسلم المشتري العقار وجد فيها جرة مملوءة ذهبا فحملها للبائع وقال له هذه وجدتها في العقار الذي اشتريته منك وهي ليست داخلة في البيع فهي ملكك وليس لي أي حق فيها قال له البائع أنا بعتك العقار بمافيه وأخذت الثمن فليس لي أي حق فيه فهو ملكك والجرة بمافيها تخصك أنت ولا تخصني وتنازعا في الأمر وذهبا الى القاضي وكل منهما يتبرأ من الجرة فلماسمع القاضي قصتهما عجب منهما و سألهما هل لكما أولاد ؟قال أحدهما نعم أنا لدي ولد وقال الآخر وأنا عندي ابنة فقال لهما زوجوا الولد بالفتاة وأعطياهما الجرة بمافيها ينفقان منها على نفسيهما وذريتهما.. ـ وقد رويت القصة بمعناها.
***
قال الصحابي الذي روى هذا الحديث فكنا ـ يقصد معشر الصحابة الذين استمعوا هذا الحديث من سيد الرسل عليه أفضل الصلاة والتسليم ـ لا ندري من أيهم نعجب من البائع أم من المشتري أم من القاضي !!.
وواضح أن كل أمرهم عجب .. فإذا ساد الورع تعفف الناس وزهدوا بالشبهات ناهيك عن الحرام وإذا غاب الورع ظهر الفساد في البر والبحر بماكسبت أيديهم وفسد القضاء وأصبح العثور على صاحب الأمانة من نوادر الزمان، كما وردت بذلك الآثار، والعثور على قاض ورع أكثر ندرة .
***
وقد ورد أن سيدنا أبا بكر الصديق كلف سيدنا الفاروق رضي الله عنهما بتولي القضاء في المدينة المنورة فمكث ستة أشهر لا يجيء إليه أحد ثم ذهب الى الصديق مستقيلا من عمله هذا وقال وضعتني في مكان لا يجيئني فيه أحد فقال له ولمَ ذلك؟ فرد عليه عرف الناس ماعليهم من حقوق فأدوها لبعضهم ولم يحتاجوا إلى قاضي.
وهذا يحدث دوما حين يستقيم الحكام فتستقيم الرعية ويصلح الأمراء والعلماء فتصلح الأمة والعكس بالعكس .
***
نذكِّر رجال الدولة الصالحين في بلاد العرب والمسلمين أن هناك من يستحل أموال الناس ودماءهم وينتهك حرمة حقوقهم مستقويا بقوة المسئولين الفاسدين في دولنا وهم الأمراء و بفتاوى وحيل القضاة وهم العلماء منهم فأوصلنا أجمعين إلى مانحن فيه من وضع لا يحسد عليه كما وردت الآثار أن هذين الصنفين من الأمة إن صلحا صلحت الأمة وإن فسدا فسدت الأمة وهم الأمراء والعلماء.. فإذاتم الالتفات إلى هؤلاء فغيرهم هيّن ويسير فهذا الغيرهو نتاج هذا الوضع وليسوا سببا فيه وإن تُرِكوا فما سيجيء ربما سيكون أعظم خطرا إن لم يتدارك الله الأمة برحمة من عنده .