بعد الامتحان النظري والذي نجح فيه اليمنيون وانتصرت فيه اليمن بإرادتها الحرّة بعد أن ذابت في قاعة مؤتمر الحوار الشامل كل الأيديولوجيات والولاءات والمصالح الضيّقة من أجل أن تنتصر الإرادة اليمنية الواحدة، ولا ننكر أنه كانت هناك خلافات وتباين للرؤى؛ إلا أن الروح التي سادت الحوارات ولمدة عشرة أشهر كانت روحاً عالية وحضارية من خلال تقبُّل الرأي والرأي الآخر؛ حتى وصلت كل تلك الفعاليات والنشاطات التي خاضتها كل مكوّنات الشعب اليمني دون استثناء، ولأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر والقديم حتى وصلت إلى صياغة الوثيقة النهائية؛ وهي خلاصة الخلاصة لكل ما دار داخل قاعة المؤتمر، هذه الوثيقة ـ أي وثيقة النصر ـ التي سلمتها تلك الأيادي البيضاء من أطفال اليمن صباح الـ25 من يناير إلى الأخ عبدربه منصور هادي وأمام حضور دولي وإقليمي وشعبي وستكون خارطة طريق لمستقبل اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة، فمن خلال تنفيذ بنودها ستزول المركزية الشديدة التي كانت قد قيّدت من حركة المحافظات والمديريات، حيث كانت سبباً رئيسياً في تخلُّف وعدم نهوض المحافظات والمديريات، كما أن الوثيقة ستكون مرجعية شعبية في صياغة الدستور؛ وهو الأهم في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، تختلف تماماً عمّا كان سائداً في ماضينا المعاصر، حيث كانت البلد تُحكم بالمزاج والعشوائية، وكان الدستور صورة ديكورية أمام العالم ليس إلا؛ حيث تم العبث بالكثير من مواده، وسخّرت لخدمة المصالح الضيّقة والتي لا تخدم الشعب في شيء، كما أن الأقاليم المكوّنة للدولة الاتحادية ستمثّل صورة متقدّمة من صور الديمقراطية، حيث سيعمل كل إقليم على إدارة شؤونه بما يتوافق ومصلحة الإقليم، ومن خلال هذا سيكون التنافس الشريف بين الأقاليم في عملية البناء والتنمية، وهناك الكثير من مخرجات الحوار في حال تطبيقها على الواقع العملي سوف تعمل على إحداث نقلة نوعية متقدّمة ديمقراطياً وتنموياً واجتماعياً وثقافياً، وهذا ما يأمله الشعب اليمني، ومن خلال ذلك من الطبيعي أن الوحدة اليمنية ستزداد قوة وثباتاً وسيحميها الشعب لأنه سيلمس ما كان يطمح إليه من الوحدة عند تحقيقها؛ ولكن المطبّات التي وُضعت أمامها أعاقت ما كان يؤمّل منها.
لكن ما نود الإشارة إليه هو أن الامتحان الثاني هو الأصعب على الإطلاق وهو امتحان تنفيذ ما جاءت به الوثيقة من مخرجات الحوار الوطني، وهنا أقول إن تنفيذ وتطبيق ذلك في واقعنا بحاجة إلى إرادة فولاذية وحماية والتفاف شعبي واسع وقوي، لأن قوى الشر كما سمّاها الرئيس في خطابه لن يروق لها ما تحقّق ولن تهدأ، وستعمل بكل ما أوتيت من قوة للحؤول دون تحقيق ذلك، وهذا أمر معلوم، لذا فإن الرئيس عبدربه منصور هادي يمتلك الإرادة والشجاعة في تنفيذ ما جاء بالوثيقة؛ لكنه بحاجة أيضاً إلى دعم كل فئات الشعب، وفي المقدّمة الأحزاب والمكوّنات التي وقّعت على الوثيقة، مالم فالمخرّبون كثيرون، فحذارِ.