• تُعد القوانين عاملاً أساسياً في تنظيم حياة أي مجتمع، غير أنه إذا لم يتم تطبيقها عملياً على أرض الواقع، تصبح بلا معنى وبلا فائدة.. وتكاد تكون المشكلة الرئيسة في بلادنا هي مسألة عدم تطبيق القوانين، فلماذا لا يتم تطبيق القوانين، ولماذا إن طُبقت لا تستمر طويلاً، ولماذا الانتقائية في تطبيقها، بحيث يكون البعض مطالبين بل ومجبرين على الانصياع للقانون بينما البعض الآخر يعتبرون أنفسهم وكأنهم فوق القانون وليسوا معنيين بالخضوع له؟!
• المجتمعات الإنسانية وعلى مر التاريخ لم تحقق التطور والازدهار إلا في ظل وجود قوانين صارمة تنظم حياتها، قوانين يخضع لها الجميع دون استثناء، لا فرق بين زيد أو عمرو، بينما واقع الحال في بلادنا يقول إن هناك سيلاً من القرارات والقوانين تتخذها الجهات المعنية بشكل شبه يومي، لكن ما يطبق منها على أرض الواقع ليس إلا النزر اليسير، بينما أغلبها لا تجد طريقها إلى التطبيق، وهناك الكثير من النماذج.
• إن أغلب القوانين والقرارات التي تصدر في بلادنا من قبل الجهات المعنية «الوزارات والمؤسسات» وغيرها دائماً ما ينتهي مفعولها بمجرد إصدارها، حتى وإن طبقت بعضها، فإنها تكون قصيرة الأجل؛ إذ لا تستمر سوى بضعة أيام أو أسابيع «على أقصى تقدير» لتعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً وكأن هذه القوانين والقرارات لم تتخذ أصلاً..
• في كل أنحاء العالم تحافظ القوانين والقرارات ـ مهما بلغ بها العمرـ على قوتها وهيبتها وإلزاميتها ما لم تصدر غيرها؛ تلغيها أو تطورها.. بينما في بلادنا نجد أنها لا تصمد طويلاً؛ إذ سرعان ما تصاب بالضعف والوهن مع مرور الأيام نتيجة التراخي في تطبيقها ولا تلبث أن تموت وتنتهي وكأن شيئاً لم يكن..
• الخلل هنا ليس في القوانين ولا في الآليات والإجراءات التنفيذية الموضوعة لتطبيقها، بل في الأشخاص الموكولة إليهم مهمة تطبيق هذه القوانين وتنفيذها الذين يتعاملون معها بتراخٍ وتساهل، هذا إن لم يكونوا أول من يخرقونها ويتجاوزونها ويجيرونها لمصالحهم الشخصية، الأمر الذي ولّد لدى الجميع عدم ثقة في أي قرارات وقوانين لأنها - وحسب تجارب كثيرة - لم ولن يتم تطبيقها على النحو الذي يحقق الهدف من اتخاذها.
• قوانيننا ـ للأسف ـ لا نشعر بها إلا عندما يكون الطرف المذنب ضعيفاً أو يُراد بها الاستقواء على من لا حول له ولا قوة، وهو المواطن البسيط الذي لا سند له ولا حماية، أما ذوو المال والجاه والنفوذ، فيبدو وكأنهم في حلٍ من الالتزام بأي قانون، بل ويعتبرون أنفسهم فوق القانون الذي لم يُسن في نظرهم إلا ليستخدمونه في استضعاف البسطاء من الناس.
• في ظل عدم تفعيل سلطة القانون تولدت القناعة لدى المواطن بعدم جدوى هذه القوانين لغياب الأثر المفترض من وجودها، كما أن التراجع والتراخي في تطبيق القوانين يضعف هيبة الجهات المعنية لدى المواطن الذي يفقد ثقته بها، ويؤمن بأن وجودها عبث، طالما وأن قراراتها ليست سوى مجرد “حبر على ورق” وإلا لماذا تصدر قرارات أصلاً إذا لم تكن قادرة على تطبيقها?!
• دون تطبيق القوانين لا يمكن الحديث عن وجود دولة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن بناء دولة المؤسسات والقانون، بينما نتجاهل كل القوانين المنظمة للحياة العامة، بل ونضرب بها عرض الحائط وكأنها أمور ثانوية وليست أساس بناء المجتمع وضمان استقراره، إننا بحاجة ماسة لتفعيل هذه القوانين وضمان ديمومتها وعدم التراخي والتساهل في تنفيذها تحت أي ظروف أو أي مبررات.. فهل نفعل ذلك؟!
k.aboahmed@gmail.com