أحكام القيمة السلبية المقرونة بزواج القاصرات في بلادنا، محكومة من حيث الأساس بسلسلة من المقدمات التي تشير إلى معنى التجاوز الضمني لمقاصد الشريعة وأهدافها النبيلة، في سياق إجراء مثل هذا النمط من الزواج .. ذلك أن الشريعة السمحة مقرونة بمقاصد الأحكام، وميزان العقل والمجتمع، كما تضع بعين الاعتبار الشروط الخاصة والمتغير الزماني، وغيرها من تحولات ذات أثر مؤكد على تمثُّل التشريع بصورة منطقية.. ويعرف القاصي والداني كيف أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عطَّل حد السرقة في عام الرمادة، ليفتح باباً واسعاً للاجتهاد المقرون بالمعنى الجوهري الذي تقول به الشريعة في تطبيق القصاص بوصفه حياة للناس، لا موتاً لهم .
انتشرت ظاهرة تزويج القاصرات في المناطق الريفية، وكانت تلك الظاهرة محكومة بمقدمات سلبية كما أسلفنا، ولتحديد المنطلقات السلبية، والأسباب غير السويَّة التي حكمت هذه الظاهرة يمكن الإشارة إلى بعض منها كالفقر المقرون بالجهل، والمعزز بسياجات من الأمِّية، وانعدام المعرفة، وانتشار الأعراف السلبية.. تلك التي لعبت دوراً كبيراً في عقد صفقات مثل هذه الزيجات .. بل إن بعض السماسرة المحليين كانوا ومازالوا يلعبون دوراً في تسهيل عقد هذه الزيجات، من خلال إقناع أولياء الأمور، وتليين مواقف الفتيات القاصرات اللائي كن يرفضن أحياناً الاستجابة الطوعية لمثل هذا النمط من الإقحام المبكر لبنت قاصرة، في حياة زوجية لا قِبل لها بها.
كما أن المراتبية الاجتماعية الطبقية أفرزت تغوُّلاً اجتماعياً لدى قلة قليلة من الذين يتمسكون بتلك المراتبية الخسيسة، لأنها تسمح لهم بمثل هذه التجاوزات القيمية المعنوية والأخلاقية، حتى أن بعض المُسنين من الكهول لا يرعوون في الزواج من فتيات في سن حفيداتهم، ويبرر بعض العوام من الجهلة هذا السلوك بوصفه وسيلة لتجديد خلايا الكهول !!، وهو أمر يتنافى تماماً مع العلم، ويكشف عن أنانية سكوباتية.. ناهيك عن المنطلق الكريه الذي يحول القاصرة المجنى عليها إلى مجرد وسيلة لتجديد خلايا الكهل المندثر.
Omaraziz105@gmail.com