يقول علماء الفيزياء: «إن دماغ الإنسان هو المستودع الذي يُترجم أحاسيسه المختلفة، وإن كامل أعضاء الجسم لا يمكنها أداء الوظائف المختلفة إلا بارتباط شرطي بالدماغ الشبيه بالكمبيوتر الذي يستوعب المعلومات المختلفة ويعيد تدويرها وفق مقتضيات الأداء الإنساني».
و يقولون أيضاً: إن الدماغ الكبير ليس إلا مستودعاً لما هو متحرّك عابر؛ فيما الدماغ الصغير أو الأصغر هو مستودع الأسرار العميقة والذكريات البعيدة والومضات المفارقة للشروط التقليدية لإنتاج الشعور والإحساس.
إن الدماغ الأصغر ينزاح بقابلياته صوب المنامات والأحلام والذكريات الغائرة في تضاعيف الماضي البعيد والتصرُّف المفاجئ عند الخطر، والمشاعر غير القابلة للتفسير.
إنه بكلمات أخرى سرُّ أسرار الدماغ الآدمي، وهو عند من لا يبصرون بصيرة موازية للبصر، أو قدرة استثنائية تجعل الكفيف قادراً على تطوير ملكات وقابليات يصعب تطويرها عند الأسوياء المُوزّعين على الحواس الخمس الفاعلة في حياتهم.
من التجربة الملموسة نلاحظ أن بعض الذين افتقدوا نعمة البصر ممن حباهم الله نِعماً أخرى، فالشاعر الراحل عبدالله البردوني كانت له ذاكرة حديدية تتسع لأدق التفاصيل التي لم يسمعها إلا مرة واحدة، كما كانت لديه مقدرة استثنائية في تنظيم وتوصيف المعارف الكثيرة والنابعة من مصادر متعدّدة إلى درجة تُذهل سامعه.
أما الأديب الكبير طه حسين فقد كان أيضاً بنفس القدر من الموسوعية، ولقد تنكّب مشقّة التطواف حول الفكر الإنساني فلم يترك شاردة ولا واردة إلا ووقف عليها طالما مرّت من تحت يده.
تلك التجارب الإنسانية تظهر أولوية البصيرة على البصر، وكيف أن ملكات الدماغ البشري تتجاوز كثيراً حدود استخداماتها التقليدية؛ الأمر الذي يؤشّر إلى أهمية العبادات، التأمل، السكون، والنظر الهادئ إلى الظواهر، فهذه الأمور بجملتها تسعف الإنسان لتأمل آيات الكون، والنظر إلى كنه الوجود فتُخلّصه من أدران الأرض وبلاياها وتجعله مُتصالحاً مع نفسه حتى يتصالح مع الوسط المحيط.
إنها ثقافة السلم والطمأنينة التي جاءت عطفاً على رسالات السماء وحكمة الأنبياء.
Omaraziz105@gmail.com