في ركن على شارع قريب من إحدى بوفيات العصائر شدني الموقف عجوز تبدو أنها تجاوزت التسعين من عمرها متكومة لم تعد سوى بقايا بالكاد تتحرك, رجل طيب يمسك بها ويسندها على الجدار ثم يطلب لها واحد ليمون ويسقيها ، كنت في البوفية أشرب ليموناً, دخل الرجل ليضع الكأس نظرت إليه باحترام على إنسانيته فبادرني للقول : هذه العجوز يأتي ابنها الشاب كل صباح ليرميها في هذا الركن لتجمع له صرفة قاته وسيجارته ويأخذ منها كل ما تصدق به الناس عليها ويذهب.
قلت لا حول ولا قوة إلا بالله لقد بلغت هذه العجوز من العمر عتيا تبدو وكأنها في رمقها الأخير فكيف يقسى عليها قلب ابنها؟ هل يعقل أن يوجد في مجتمعنا ناس يفكروا بهذا الشكل؟
قال الرجل بأسى : بدلا من أن يأخذ أمه العجوز هذه لتقضي بقية أيام حياتها فوق سرير وهي في اشد حالاتها بؤسا ومرضا وكهولة يرميها في زوايا الشوارع لتجمع له الصرفة.
مع الأسف الشديد البطالة والإدمان على القات وافتقاد الوازع الديني وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقعنا وتعامل الكثير مع الدين كشعارات ومظاهر أكثر من معاملة وسلوك كل ذلك فاجأنا بمشاهدات ومآس وظواهر لم تكن موجودة في مجتمعنا تحمل الكثير من القسوة وعدم الإحساس وتفتقد النبل والشهامة والمروءة.
نحتاج إلى إعادة ترسيخ قيم الرجولة في مجتمعنا والتشجيع عليها, قبل فترة كان أحد الصحفيين يعمل تحقيقاً عن عمالة الأطفال فسأل طفل صغير عمره سبع سنوات يبيع بيضاً في جولة أحد الشوارع : لماذا تعمل ؟ لماذا لا تذهب إلى المدرسة؟ فرد بتلقائية وشجاعة : أعمل لأشقي على أمي وأختي وإلا تريد مني اترك أمي وأخواتي يتبهذلين في الشوارع والجولات ، أنا رجل ومهمتي اشقي عليهم ".
هل تتخيلوا يا امة محمد أنه كان سيأتي اليوم الذي تجد فيه شاباً يأخذ زوجته وأولاده معه كل صباح ويطوف بهم في الشوارع للتسول وطلب أجرة سيارة أو أي حجة أو ذريعة؟!
الحكومة تتحمل أيضا المسؤولية حول هذا لأن كل هذه المظاهر من آثار الفقر والتدهور الاقتصادي وعدم معالجة مشاكل البطالة وتوفير فرص العمل والتوعية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بالعباد والبلاد.
اذكروا الله وعطروا قلوبكم بالصلاة على النبي
اللهم ارحم أبي وأسكنه فسيح جناتك وجميع أموات المسلمين.