لا توجد في ثقافة القوى السياسية اليمنية مراجعة الخطأ أو الاعتراف به تخرج هذه القوى من خطأ لتقع في خطأ آخر وكأن المسألة قدرية لا يمكن تجنّبها، تتحدّث هذه القوى عن الحداثة وعن الديمقراطية وسيادة القانون والتسامح ولكنها في حقيقة الأمر تغرق في التفرُّد بالرأي وتجاوز القانون والإغراق في الحقد والكراهية وتدمير كل القيم النبيلة.
لم نجد حتى هذه اللحظة حزباً من الأحزاب أجرى مراجعة حتى يلتصق بالشعارات التي يرفعها ويكون على مقربة من الوطن والمواطن، ولست بحاجة إلى القول إن جميع الأحزاب والقوى السياسية اليمنية تمضي بثبات رهيب نحو الهاوية، وكلما أوقعت الوطن بهذه الهاوية تقضي زمناً تجاهد من أجل الوقوع في هاوية أخرى..!!.
لن أضرب أمثلة فالكل يعرفها، لكن ربما لا يعرف الجميع أنه كان ممكناً تجنب الوصول إلى تقسيم اليمن إلى أقاليم وضرب الجيش بهذه الطريقة التي طمست سنوات من البناء والتأهيل، كان من الممكن ألا نصل إلى القرن الحادي والعشرين وتحديداً منتصف العقد الثاني ولايزال ما يقرب من 35 % من اليمنيين لا يعرفون القراءة والكتابة، و50 % منهم عند خط الفقر.
والمحزن جداً هو أن هذه الأحزاب والقوى السياسية لم تدرك بعد أنها بعد ثلاث سنوات مما أسمته «ثورة» أنها دمّرت بلداً كان مستقراً إلى حد ما، وكان يتطلّع إلى مزيد من البناء، هذه الأحزاب والقوى السياسية لم تدرك بعد؛ أو بمعنى أصح لا تعرف إلى أي قاع أوصلت الوطن والمجتمع.
الجميع يتحدّث عن اليمن الجديد، والجميع يخزّن السلاح بكميات مهولة، والبعض الآخر ينهب مخازن الجيش، وآخرون ينهبون معسكرات بكاملها في صعدة والجوف وعمران ليدمّروا ما تبقّى من استقرار لهذا الوطن.
الجيش أصبح عُرضة للقتل والذبح وبطرق مختلفة والجحيم يلفّ الوطن من جنوبه إلى شماله، الغريب أن الجميع متفقون على التدمير ولا يوجد طرف لديه مشروع بناء، والأرجح أن هناك جينات لهذه الثقافة، فنحن لا نجد آثار من مضى؛ لأن المنتصر كان يمحو كل شيء حتى الأثر..!!.
من يتابع قنوات «المسيرة» و«سهيل» و«يمن شباب» وعلى الطريق الفضائية يجد الحشرجة في الحناجر من أجل العدوان الإسرائيلي على غزّة، لم يجر مثيل لذلك عندما حدث الهجوم الإرهابي في السبعين ومستشفى العرضي وأبين وشبوة وحضرموت وذبح الجنود، ولم يلحظ هؤلاء أن هناك حمّامات للدم سُفك فيها الآلاف من اليمنيين وتم تشريد الكثيرين في صعدة وأبين والخريطة تتسع كل يوم، لم تكن هناك مراجعة لما يجري في الوطن، غزّة وحدها حصلت على النصيب الأعظم من نجيب الحوثيين والإصلاحيين، والكل يتوعّد ويهدّد لكن الطرفين قتلوا منهم ما يربوا على قتلى غزّة مرات عديدة..!!.
وحتى لا تكون كل الكتابة توصيفاً لما يجري فقط؛ فإنني أدعو كل الأحزاب السياسية وجميع القوى داخل اليمن إلى عقد مؤتمر للتصالح من أجل اليمن ومن أجل هذا الشعب الذي دفع ما لم يدفعه شعب آخر، يكون شعار هذا المؤتمر التنمية، يُحدد فيه مليون فدان زراعة و3000 كيلومتر من الطرق، والبحث عن الموارد البشرية والمالية والمعنوية ونضعها في خدمة العمل والإنتاج، ولكي ننجح علينا أن نقسّم العمل إلى ثلاث فترات، كل فترة منها لمدة ثماني ساعات، وهنا سيتضح لنا من هي القوى التي تريد البناء والتنمية ومن هي التي تريد الحرب والخراب والإرهاب.
ولا يخفى على أحد أن معسكر الدمار في اليمن كبير جداً، ولا توجد كارثة أكبر من تقاسم البلاد بين فاسدي المؤتمر وحلفائه، ولا أقول حزب «المؤتمر» لأن قواعده مغلوبة على أمرها وبين المشترك وشركائه، ولا أقول قواعد المشترك كذلك؛ لأنها مغلوبة على أمرها، هؤلاء الرموز من الفاسدين في الطرفين أجروا أكبر العمليات الكوميدية والتراجيدية لبناء تحالف فيما بينهم.
أقول العدو ليس على الأبواب وإنما داخل الدار، والإرهابيون ليسوا على الأسوار وإنما هم داخل المدينة، لقد كانت القيادات الحزبية في المؤتمر والمشترك في لحظة اختبار تاريخية للوقوف إلى جانب الوطن والمواطن، لكنهم ركنوا إلى البيانات اعتقاداً منهم أن بياناتهم ستنقذهم من لعنة التاريخ يوم تجري المراجعة لمن كان المسؤول عن الإخفاق، لكن هذه البيانات لا تقول إلا كذباً.
أخيراً يمكن القول إنه لا بديل لإنقاذ الوطن من شبح الإفلاس والجوع والخوف سوى خلق تنمية حقيقية وتشجيع الاستثمار بتوفير المناخ الآمن لذلك، وعمل إصلاحات مالية وإدارية حقيقية بعيداً عن المحاصصة التي تستنفد نصف الموازنة دون إنتاجية حقيقية.
لكل ما سبق يجب أن توقفوا انتهاكات حقوق الإنسان بكل أشكالها، وراجعوا مفهوم «العدالة الاجتماعية» وتوقفوا عن سحق الفقراء بالجوع؛ لأنهم سيسحقونكم ذات يوم بالغضب..!!.