قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية ـ عدا ما يخص الكهرباءـ هل كان بمثابة القشّة التي لم تقصم ظهر البعير، فكانت القشّة التي تدحرجت ككرة مشتعلة فأحدثت المزيد من الحرائق، هل كان ذلكم القرار بمثابة شهادة الميلاد الرسمية لمولود غير شرعي وانفصال قاطع لعلاقة بين طرفين جمعتهما تحت سقف واحد ما أسميت بـ «الثورة الشبابية» هل كان بمثابة اعتراف من في السلطة بمعاناة الناس من الفقراء والفلاحين وذوي الدخول المنظورة، استغلّها تيار سياسي ليزيد من شعبيته وانتشاره بين صفوف الجماهير كما يقول مؤيدو «الجرعة..؟!.
تساؤلات كثيرة تدور في المجلس، هذه نماذج منها وتجدونها في صحافتنا الرسمية والحزبية والأهلية تتدفّق بصورة يومية، خاصة بعد أن شهدت العاصمة صنعاء وبعض المدن ما أعاد إلى الأذهان مناظر حشود وشعارات وخطب السبعين والستين، أي ميدان السبعين وشارع الستين في صنعاء ولعلعات إعلام المؤازرة لما كانت تسمّى أو توصف بـ«حشود الشرعية وحشود التمرد» أو الوطنيين والعملاء للخارج أو طاعة ولي الأمر وأصحاب الخروج وغير ذلك مما يدلُّ على الانقسام وتحديداً بعد أن توجّهت إلى ساحات الاعتصام والمطالبة بالتغيير رموز عسكرية ودينية وقبلية على هتافات الترحيب «حيّا بكم حيّا بكم» وهو الانقسام الذي لم يُحصر على النظام ومؤيديه من جهة والخارجين عنه من جهة أخرى؛ بل أخذ في الاتساع إلى يومنا هذا ليشمل حلفاء الأمس وشركاء خيام الاعتصام وفعاليات الساحات والمظاهرات إلى أن جاء قرار الإصلاحات أو رفع الدعم ليجعل منهم اليوم طرفي المواجهة والصراع في أكثر من ساحة بالمظاهرات السلمية الحاشدة والكمائن والمواجهة العسكرية في بعض المناطق كحاشد وأرحب والجوف ومأرب وإب «الرضمة» وغيرها.
بالأمس 25/ 8 /2014م كنت كعادتي الصباحية اليومية أتصفّح محتويات «الشارع» و«الأولى» فلفت نظري عنوان لصور المسيرات والمسيرات المضادة أو المسيرات المستجيبة لدعوة «أنصار الله» ولرفض الجرعة والمطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار وبضبط موارد الدولة ونفقاتها... إلخ والمسيرات المؤيدة لدعوة حزب التجمع اليمني للإصلاح لرفض حصار العاصمة والحفاظ على الجمهورية وتأييد قرار الحكومة برفع الدعم والدعوة إلى اصطفاف وطني، لفت نظري اختيار صحيفة «الأولى» عنواناً لصور المسيرتين أو التظاهرتين يقول «الانقسام الأخطر» فقلت لنفسي: فعلاً هو انقسام يوحي بالخطر، ولكن لماذا لا نتفاءل في حكمة القيادة السياسية والحكمة اليمانية عموماً، إضافة إلى ما هناك من قواسم مشتركة بين تلك التظاهرات المتضادة وما يوحي بعدم الاختلاف إلا فيما يخص رفع الدعم فقط، ومن الأمثلة على ذلك.
ـ يطالب الحوثيون «أنصار الله» ومن يؤيدهم بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تُختار من الكفاءات وتجسّد الشراكة والتوافق، ويقابل ذلك مطالب ومقترحات من أطراف أخرى ولقاءات وبيانات رسمية تدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجسّد الشراكة الهادفة إلى إخراج البلد من محنته، فأين الاختلاف إذن..؟!.
ـ تتوافق مسيرات «أنصار الله» ومقترحاتهم المطروحة للخروج من الأزمة مع مطالب المسيرات الداعمة للحكومة والإصلاحات، وكذلك النقاط التي خرج بها بيان اللقاء الموسّع مع فخامة الرئيس وما سمعناه في بيان الهيئة الوطنية للاصطفاف الشعبي في التأكيد على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ومحاربة الفساد والإصغاء إلى صوت الشعب ورفض التعصُّب بكل أشكاله، وضرورة القبول بالآخر، فأين الاختلاف يا ترى..؟!.
تؤكد خطابات السيد عبدالملك الحوثي وشعارات مظاهرات «أنصار الله» الحفاظ على الجمهورية والوحدة وحمايتهما من أي انحراف، بل يهتفون: «جمهورية ومن قرح يقرح، والمواطنة المتساوية»، ويقابل ذلك ما تؤكده تظاهرات الدعوة إلى اصطفاف وطني من الحفاظ على المكاسب والثوابت المتمثّلة في الجمهورية والوحدة والديمقراطية كمنجزات للثورة اليمنية «سبتمبر وأكتوبر» فأين الاختلاف أفيدونا..؟!.
كثيراً ما سمعنا زعيم «أنصار الله» يدعو إلى التصالح والتوافق والاصطفاف ويقول: «نمد يدنا لذلك»، كما يقابل ذلك دعوة الدولة والداعمين بكل حماس لاصطفاف وطني وتوحيد الصف أمام ما يعيق مواجهة التحدّيات.
ـ يدعو الطرفان في خطاباتهم وشعاراتهم وإعلامهم إلى نبذ العنف والاقتتال واستخدام القوّة في فرض الآراء والتوجُّهات، وتلك وثائق وبيانات وخطابات الطرفين تشهد بذلك، وأن لاخلاف.
ـ في الوقت الذي يعلن هذا الطرف رفضه واستنكاره للاعتداء على منتسبي الأمن والجيش وقتلهم غيلة وذبحاً على أيدي «الدواعش والجماعات الإرهابية»، يقابله رفض واستنكار الطرف الآخر للاعتداء على منتسبي الجيش والأمن على أيدي جماعات العنف.
وهكذا نحس أن الطرفين يلتقيان حول هذه النقطة.. قائمة طويلة من التوافقات التي يمكن حصرها من خلال إعلام وبيانات ووثائق الطرفين، والتوصُّل إلى ما يفيدنا بصدد هذا الانقسام المشكل على فهم الشارع، والقول إن ما وُصف بالانقسام الأخطر يكاد ينحصر في موضوع الجرعة أو رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وهو أمر لا تُستعصى معالجته ولا يقود إلى منزلق اللاعودة، أما إذا ما كان وراء الأكمة ما وراءها؛ فإن الحال يحتاج إلى الوضوح والمكاشفة التي تمكّن الشعب من أن يقول كلمته وفقاً لحق مكفول، هو المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، فلا تفتحوا علينا نافذة التشاؤم وتغلقوا نافذة الأمل والتفاؤل التي مازالنا نرقب المشهد من خلالها، وباختصار، اصدقونا القول.