لفت نظري أحـد القـراء الأعزاء تجاهلي في تناولة سابقة الإشارة إلى ذكر الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ازدياد حدة التوتر السياسي راهناً وهي المتعلقة بالقضية الاقتصادية التي تمثل عماد وجوهر مشاكل اليمنيين والتي لا يمكن بدون معالجتها أو التخفيف من آثارها التوصل إلى صيغة إعادة بناء التجربة التي أمضينا وقتاً طويلاً في الحديث عنها دون أن يظهر في الأفق ما يشير إلى معالجتها.
وتجاه هذا التعقيب الموضوعي، لابـد لي من التأكيد مجدداً بأن القضية الإقتصادية حاضرة و بقوة في المشهد السياسي الراهن، حيث لا تخلو سجالات ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني من التوقف عندها بإطناب كبير وتلمس سبل وآليات معالجتها باعتبارها –كما قال القارئ الكريم – جوهر مشكلات اليمن القديم والحديث على حدٍ سواء.
وإذا كنت قد نوهت سابقا إلى أهمية دور رعاة المبادرة الخليجية في التلويح إلى تلك القوى التي تحاول عرقلة مسار التسوية السياسية وتنفيذ مخرجات الحوار، فإنني أعترف بإغفالي الإشارة إلى ضرورة قيام دول الإقليم والمانحين التسريع بترجمة قرارات مؤتمرات أصدقاء اليمن إلى وقائع ملموسة وتحديداً فيما يتعلق بتحويل تلك المساعدات والقروض إلى الحكومة للاضطلاع بمهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وبما يكفل وضع حلول فاعلة لمجمل الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد من خلال تنفيذ المشاريع المخطط تنفيذها منذ وقت طويل.
ومن باب تحصيل الحاصل التأكيد على أن تلك التمويلات سوف تخفف عديد الأعباء التي تثقل الخزينة العامة ، لكنها بالتأكيد لن تكون علاجاً جذرياً وشاملاً لكل مشكلات اليمن ما لم يتم اتخاذ إجراءات موجعة مؤقتاً لتصحيح تلك الاختلالات واعتماد حزمة من الإصلاحات التي تكفل اجتثاث بؤر الفساد و توظيف الإمكانات في أوجه الإنفاق المنتج – إذا صح التعبير – و استخدامه فيما يعود بالنفع على الصالح العام، فضلاً عن انتهاج سياسات تقشفية وتهيئة الأرضية أمام مناخات الاستثمار ودعم القطاعات المنتجة والتي سيكون لها –جميعها – الأثر البالغ في تعدد مصادر الدخل القومي والحد تدريجياً من تفشي البطالة والفساد وغيرها من السلبيات القائمة راهناً.
ختاماً، إنني لا أختلف مع القارئ الكريم في الإشارة إلى أهمية القضية الاقتصادية لتصحيح مسار الوضع اليمني برمته وإمكانية ترسيخ تجربة التحول الديموقراطي ، لكنني في نفس الوقت لا أغفل أهمية الاستقرار السياسي، بل أعتبر أن كلا العاملين الاقتصادي والسياسي بمثابة الرافعة التي لا يمكن أن يستقيم توازنها إذا ما أختل أحد هذين المرتكزين.