هكذا هم القتلة الإرهابيون، وهكذا هو دين الغدر والخسة الذي يعتنقون وحشيته وجنونه بمجانية مفرطة وبقبح مقزز، هكذا يغتالون أشجار الوطن السامقة، ويسدون نوافذ الضوء المشرعة برصاصاتهم الجبانة.
لم يدر في خلد القتلة أبداً أو يخطر ببالهم وهم يغتالون رجلاً بحجم الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وهو من أمضى عقوده السبعة في النضال من أجل الحرية والـتأسيس لقيم المواطنة والدولة المدنية، أنهم يعتدون على أسمى عناوين النضال الوطني المؤمنة بقيم الخير والسلام وكرامة الإنسان وحقه في وطن يسوده العدل والوئام.
لم يكن الشهيد المتوكل إلا نبراس فكر ومنار علم وثقافة، لم يكن داعية حرب، ولا شيخ ضلالة، سلاحه قلمه وحسب، وشعاره حب الوطن حتى الثمالة، وعلى غير عادة السياسيين الحزبيين كان هو الأنقى حين تشتد الخصومات والأصدق حين يلوح معترك الخلافات.
لم يعرف أنه دعا إلى عصبية جاهلية من أي نوع، كان واضحاً كالنهار شامخاً كالطود، لم يتجر في مبادئه، لم يساوم على مواقفه، هكذا عاش وهكذا استشهد وهكذا شاء له قدره أن يقدم الدرس الأخير لآلاف من طلابه ومريديه، درس الشهادة في درب التضحية الطويل.
لم يتوقف عن الحلم والنضال يوماً حتى بعد نجاته من الحادث الأليم في 2011، بل ظل يدافع عن اليمن ومستقبله، وعن الحرية كقيمة إنسانية، وعن المدنية كمشروع دولة، لم يتمترس خلف الضغائن أو يستسلم للخوف، وحتى آخر لحظاته كان ساعياً حريصاً على جمع كلمة اليمنيين ووحدتهم.
سيهلك القتلة عاجلاً أو آجلاً وسيبقى الدكتور محمد عبدالملك المتوكل حياً في ضمير الوطن، خالداً في أبجدية الحرية، علماً يحتذى به في دروب العمل السياسي والحقوقي، ومضرباً للمثل في الصدق والصراحة والنقاء، ومن المؤكد أنه سيولد من دمه المراق على قارعة الوطن آلاف اليمنيين ممن يسيرون على نهجه.
الشهيد المتوكل سقط شهيدا في محراب وطن عاش يتمنى له الحياة والرفعة والشموخ والحياة.. لم يبخل على وطنه وشعبه في العمل الدءوب راعيا للحرية والعدالة والتصالح والتسامح ، والدولة المدنية الحديثة التي يتطلع إليها كل أبناء وطنه.
لذلك يجب أن يعرف القتلة الجبناء أنهم عبثاً يقتلون أعلام اليمن وقاماته الأبية، وأن رصاصاتهم الغادرة لن تكون سوى وقود لمواصلة نضالات المتوكل وأقرانه في سبيل الحرية ومقارعة وحشية الإرهاب وغول التخلف الظلامي.
رحمك الله يا أبا ريدان، واللعنة والهوان لقاتليك.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.