حسناً أن قـام بعض أعضاء الحكومة الجديدة بتسليم إقرارات الذمّة المالية إلى هيئة مكافحة الفساد قبل أن ينخرطوا في أداء مهامهم الوزارية، متمنياً عليهم أن يفوا بهذا المسلك عند مغادرتهم هذه المواقع القيادية أسوة بالدكتور أحمد عبيد بن دغر؛ وزير الاتصالات السابق الذي التزم بهذا الشرط عندما غادر وزارته؛ وذلك على غير عادة زملائه الوزراء السابقين في الحكومات المتعاقبة.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تنامي الوعي بضرورة مكافحة الفساد وأطماع الاستيلاء على المال العام قد بات يشكّل ثقافة بدأت تتسع بين أوساط المجتمع ونُخبه؛ حتى وإن لم يحقّق الثمار المرجوة بالشكل الصحيح إلى الآن.
وإذا كنّا نسلّم جدلاً أن الفساد هو منظومة متكاملة؛ فلابد لنا أيضاً من البحث عن الآليات والوسائل الكفيلة بمعالجة واجتثاث هذه الظاهرة من أساسها وبصور غير تقليدية من خلال تفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة وإحالة الفاسدين إلى القضاء، فضلاً عن البت في تلك القضايا المنظورة والمعلّقة التي مرّت عليها سنوات عديدة دون فصل أو تنفيذ للأحكام الصادرة في هذا الشأن حتى الآن، بل إن المطلوب –كذلك – إنزال العقوبات الرادعة في جرائم فساد واضحة الأركان والمعالم تحاول بعض قوى النفوذ إبقاءها بعيداً عن المحاسبة وتطبيق القانون وإعادة الأموال والممتلكات المنهوبة إلى أصحابها..!!.
ولا شك أن من ضمن تلك الآليات والأساليب الناجعة لمساعدة هيئة مكافحة الفساد للقيام بمسؤولياتها كاملة وعلى أتم وجه ما يتعلّق بدور وسائل الإعلام الحصيفة في كشف هذه السلوكيات وفضح المتسبّبين فيها بعيداً عن المناكفات والخصومات الحزبية والشخصية التي قد ترتب نتائج عكسية على معركة المجتمع في مكافحة واجتثاث الفساد.
إن أهمية الحديث عن ضرورة تكاتف الجهود الوطنية لمساندة هيئة مكافحة الفساد تنبع من الحاجة إلى اعتبار مكافحة الفساد ضرورة وطنية وليست ترفاً اجتماعياً؛ وذلك بالنظر أيضاً إلى مخاوف استشراء الفساد وتأثيراته السلبية على أداء الاقتصاد الوطني ومجمل حياة المجتمع.
وبالمناسبة، لا أنسى هنا الإشادة بأداء هذه الهيئة، خاصة لجهة تفعيل وتحريك قضايا الفساد من جهة؛ والتوعية بمخاطر هذه الظاهرة من جهة أخرى؛ باعتبار أن هذا الأداء يمثّل خطاً تصاعدياً في تحرير المؤسسة الوطنية والمجتمع من أسر هذا الوباء الذي بات ينتشر ويكاد يشكّل كارثة حقيقية على المجتمع.
وإزاء مساندة هذا الخط التصاعدي في مكافحة الفساد؛ فإن واجب القيادة السياسية والحكومة والنُخب المجتمعية والمكوّنات الحزبية دعم هذا المسار وتذليل الصعوبات أمام هيئة مكافحة الفساد وتوفير الإمكانات اللازمة حتى تقوم بأداء مهامها كاملة غير منقوصة وبما يحقّق الفائدة المرجوة من قيامها.