ليس من منظور العصبية عندما أشيـر إلى أن اليمنيين كان لهم سبق الريادة في استنباط فلسفة التوافق أو عندما أقول: إنها إنتاجية يمنية صرفة, خاصة وأن هذه التجربة تميزت بكونها استنبطت حلـولاً كانت مستعصية لمعالجة تلك الحالة المتدهورة التي عاشتها اليمن منذ العام 2011م.
ولاشك كذلك بأن فلسفة التوافق التي انتهجت وسلية الحوار أحدثت صدمة في النظرة السائدة لدى الدوائر السياسية وأصحاب القرار في المحيطين الاقليمي والدولي ممن لم يتصوروا مطلقاً أن يلجأ اليمنييون إلى هذا الخيار السلمي بعد أن وصل الاحتقان حداً ينذر بكارثة, فضلاً عن تلك الصورة الخاطئة المرسومة في أذهان الرأي العام الخارجي عن نزوع اليمنيين الاحتكام إلى لغة السلاح عند كل خصومة.. وقد تعززت هذه النظرة ــ مع الأسف الشديد ــ بمعرفة عدد قطع السلاح وكمية الذخائرالمتداولة بصورة غير قانونية يبن أيدي اليمنيين والتي تصل حسب التقديرات غير الرسمية إلى أكثر من 50مليون قطعة سلاح!
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة فقد أذهل اليمنيون كـل تلك الدوائر والمراقبين على حد سواء بلجوئهم إلى الحوار عوضاً عن الاحتكام إلى فوهات البنادق واعتمادهم فلسفة التوافق بدلاً عن لعلعة الرصاص, بل وخيّب ذلك كل الرهانات والحسابات التي كـانت تتوقع الانفجار الكبير، كما أن فلسفة التوافق قـد جعلت تلك الدوائر تعيد تفكيرها في تصحيح نظرتها المغلوطة عـن الحال في اليمن.
ولقد سارع العالم إلى تلقّف هذه الفلسفة من خلال دعم هذا التوجه السلمي, بل وأفاضت ــ قولاً وعملاً ــ في سرعة تقديم العون الدبلوماسي والاقتصادي للتجربة اليمنية المتفردة التي قادها باقتدار الرئيس عبد ربه منصور هادي.. وهي التجربة التي توجت في نهاية المطاف بالتوصل إلى مخرجات بناءة تكفل انتقالاً سلساً للسلطة، وحلاً عادلاً للقضية الجنوبية وإقامة منظومة حكم عادلة تنأى باليمنيين عن إعادة انتاج الحكم الشمولي والمركزية المغرقة وتقود المجتمع إلى أفق جديد من الحرية والعدالة والمساواة تحت ظلال سيادة النظام و القانون و الحكم الرشيد.
فعلاً, لقد كان خيار اليمنيين في الاعتماد على فلسفة التوافق, خاصة عند بروز تلك المشكلات المستعصية والتباينات العميقة حلاً إنقاذياً ما كان له أن يتحقق لولا ترسّخ هذه الفلسفة في وجدان اليمنيين, إذ كشف ذلك عن حقيقة الذهنية اليمنية في الحرص على ارتياد المستقبل برؤية موضوعية متحررة من عقد الماضي وسلبياته, حيث كانت مخرجات الحوار الوطني إحدى سمات وتجلّيات هذه الذهنية التي استطاعت أن تكسر تلك القوالب الجامدة والأحكام الجاهزة والمسبقة عن الشخصية اليمنية و التي هي ــ في حقيقة الأمر ــ تواقة إلى السلام و الأمان.. وهـو ما تحقق لها في إنجاز هذه التسوية السياسية التاريخية والقائمة ــ أساساً ــ على فلسفة التوافق.
انتهى.