هل نتفق أن اليمن أصبحت أشبه بمريض يرقد في العناية المركزة..؟! هذا يعني أن الواقع أليم، وأن البلد يحتاج إلى حكومة رشيدة تعرف كيف تشخّص الحالة المرضية, وكيف يمكن الاستعانة بأطباء ينقذون المريض، المهمة هنا واضحة أن يكون المستشفى مجهّزاً بالأجهزة الحديثة وطاقم التمريض والأكسجين.
ولست بحاجة إلى القول إن المريض هو اليمن، وأن الأطباء يمنعون عن مريضهم الأكسجين وينزعون عنه وسائل الحياة، ولم يكتفوا بذلك بل يتبرّعون به للتشريح والتصرف بأعضائه، مثلما أن مرضانا يسافرون إلى الخارج لتلقّي العلاج نتيجة لعدم وجود المستشفيات وكذلك عدم الثقة بالطبيب اليمني؛ فإن مشاكل اليمن يتم علاجها بالخارج وعلى أيدي أطباء غير ماهرين يطيلون الحالة المرضية حتى يقتاتوا عليها ويستغلّوا المريض بأكبر قدر ممكن من الاستغلال..!!.
تقف اليمن اليوم أمام الأطباء الذين أوكل إليهم تشخيص حالتها المرضية، وبدلاً من استخدام مبضع الطبيب؛ إذا بهم يستخدمون معاول تحطيم الدولة والمجتمع والشعب.
نحن اليوم أمام عمليات قتل لا تميّز ما بين جندي ومدني في محاولة لشل الحياة العامة في كل أنحاء البلاد وتدمير الاقتصاد.
إن ما يجري يجعل مهمة الأطباء اليمنيين الذين يحاولون إنقاذ اليمن معقّدة؛ فهم يحتاجون إلى إجراء عملية جراحية دون استخدام التخدير، ويحتاجون في الوقت نفسه إلى تزويدها بالأكسجين لإعطائها الطاقة اللازمة للحركة.
مثلما أن المريض يحتاج إلى الدم والأكسجين تحتاج اليمن إلى حقوق الإنسان والديمقراطية حتى تكون في مصاف الدول المتقدّمة؛ لكن ذلك كيف له أن يتحقّق وسط معركة ساخنة تتفجّر فيها أنابيب النفط وأبراج الكهرباء وتُحاصر المعسكرات ويُشاهد الجندي سقوط رفيقه وصديقه الجندي الآخر, وتقع عيناه على الأشلاء والجثث الممزّقة على الطرقات والنقاط العسكرية والسجون المقتحمة لإخراج القتلة والإرهابيين منها؛ وسط كل ذلك كيف معالجة المريض «اليمن» وكيف يمكن إصلاح وضعها..؟!.إننا أمام جماعات تشرعن القتل وتحرّض عليه مهما أطلقت على نفسها من مسمّيات, سواء أطلقت على نفسها شيوخ القبائل أم الإخوان المسلمين أو الجهاد أو النُصرة أو غير ذلك من المسمّيات.. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يصبح مثل هؤلاء قدوة للكثيرين من شبابنا وإخواننا، ألم يقرأوا قول الله عزّ وجل: «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»..؟!.
إننا بحاجة إلى كل الوطنيين من الرجال والنساء, الشباب والشيوخ أن يصطفّوا للدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وعن النظام والقانون، فنحن لا نستطيع معالجة المريض وإنقاذ حياته في حين أن البعض لديه نزعة قتل المريض، كيف يمكن لنا أن نبني اليمن ونقودها نحو المستقبل وهناك من ينتمي إلى عصور أخرى غير عصرنا، كيف لنا أن نبني اليمن وهناك متسوّلون يمدّون أيديهم إلى الخارج بذلّة وصغار؛ ثم يعملون علينا مشايخ وسادة..؟!.
كيف يمكن أن ننقذ اليمن والإعلام لا يصدر سوى ضوضاء يصعب معها الاستماع وكذلك الفهم..؟! نحن أمام كارثة حقيقية، فهل يستطيع العقلاء أن يخرجوا عن صمتهم ويرتبون أولويات العلاج وما تحتاج إليه اليمن من اهتمام، وما هو العلاج الذي نأخذه والعلاج الذي نتجنّبه حتى نصل إلى مشارف المستقبل، وهل توجد أولوية الآن أهم من المصالحة السياسية..؟!.
ولا أقصد هنا المصالحة بين قيادات الأحزاب, فهذه القيادات تحمل من الحقد والكراهية ما يكفي أحزاب العالم جميعها؛ وإنما أقصد المصالحة بين القيادات الوسطية والقواعد التي مازالت نقيّة ولم تتلوّث بعد؛ لابد من مواجهة الأفكار الظلامية وأفكار القتل والإرهاب والتفكير بالقضايا الاقتصادية وقضايا الأمن الوطني والقومي.
والحقيقة أنه لا يمكن إنقاذ المريض والأطباء الذين يعالجونه ويبتزونه؛ كل واحد منهم يريد أن يأخذ حصّته مقدّماً بصرف النظر عمّا إذا كان المريض سيعيش أم سيموت..!!.
دعونا نعمل من أجل إنقاذ اليمن على المستوى التعليمي والصحي, فاليمن تقع في آخر الدول بالنسبة لمستوى التعليم، أما الطب فكلكم تعلمون الوضع الصحي والإهمال والفوضى وضعف الأداء وزيادة انتشار الأمراض المستعصية.
هل يمكن أن نوقف النزيف الهائل لما لدينا من موارد محدودة، وكيف يمكن أن نجمع بين الدولة المدنية والإرهاب، وكيف يمكن إيقاف المواجهات المذهبية والمناطقية..؟!.
إن ذلك يقع على عاتق المؤمنين بالوطن ومستقبله للخروج من المأزق الذي وصلنا إليه؛ هل يمكن أن نعلن عن هدنة أو سكون تعود فيه كل الأطراف إلى أعمالها لمدة سنة ثم نذهب إلى الانتخابات..؟!.